قضايا وآراء

هل احترقت خطة التقسيم الأميركية لسورية والعراق؟

تحسين الحلبي : 

إذا كان الاستعمار البريطاني والفرنسي قد نجح أثناء الحرب العالمية الأولى في تنفيذ خطة سايكس بيكو لتقسيم واقتسام العالم العربي 1916م فإن الولايات المتحدة التي تعتبر نفسها القوة الإمبريالية الكبرى الوريثة للاستعمار في المنطقة لن تنجح في إعادة تقسيم المنطقة ودولها لأسباب موضوعية ملموسة أهمها: إن تقسيم سايكس بيكو جرى على خلفية تحالف حكام عرب مع الاستعمار البريطاني والفرنسي وقبول هؤلاء الحكام بالتنازل عن فلسطين لليهود وعن وحدة العرب في ظل غياب واضح للدور العربي الشعبي الرافض للتقسيم ولعملائه من الحكام العرب بينما نجد الآن أن الصورة والمشهد العربي في المنطقة يختلفان كثيراً عن المشهد قبل قرن من الزمن.
ففي العراق وسورية ولبنان واليمن يرفض الشعب والقادة معاً القبول بتقسيم هذه الدول وبأي تفريط بسيادتها على أراضيها ومستقبل شعوبها، ولهذا السبب لا تزال واشنطن عاجزة عن تحقيق خطتها في تقسيم هذه الدول التي تضعها واشنطن وحلفاؤها في المنطقة على جدول عمل تقسيمي وتتحالف من خلاله مع أدوات التقسيم التي أنشأتها على قواعد إثنية وطائفية متحالفة مع مشروعها الاستعماري الجديد.
ولذلك من الملاحظ بشكل بارز أن شعوب وقادة هذه الدول تزداد يوماً تلو آخر عوامل وحدتها الميدانية في مجابهة جميع أدوات الاستعمار التقسيمية من داعش إلى القاعدة والنصرة والمليشيات المسلحة الأخرى التي ترعاها واشنطن مباشرة في العراق وسورية واليمن ولبنان.
وهذا ما جعل أشكال المجابهة السياسية والعسكرية والشعبية التي تقوم بها هذه الدول عنواناً لمقاومة المخطط التقسيمي، ومقدمة لكل أشكال التنسيق والوحدة من أجل مصلحة شعوبها، فالمعركة والمقاومة واحدة من اليمن إلى العراق إلى سورية ولبنان وهي أهم الكيانات العربية التاريخية السياسية التي توحدت فيها جميع أطرافها الدينية والمذهبية والإثنية خلال قرون كثيرة، وهذا ما تدركه في الوقت نفسه الأطراف الدولية المتحالفة مع هذه الدول من أجل المحافظة على سيادتها واستقلالها.
ومن الملاحظ أن المخطط الأميركي التقسيمي بدأ يزداد تحركه نحو دول المغرب العربي ومصر والسودان بعد التطورات التي جعلت الأدوات الأميركية نفسها من داعش وغيرها تنتقل إلى ليبيا والجزائر ومصر بشكل بارز… ولذلك أصبح الإطار الذي يجمع شعوب المغرب العربي مع شعوب المشرق العربي هو مقاومة التقسيم والتصدي لجميع أدواته على مختلف أشكالها ومضامينها، وهذا ما سوف يحشد أكثر القوى العربية والإسلامية في ساحة الحرب على الإرهاب ومن يرعاه من الدول المحلية المتحالفة مع واشنطن وخطة تقسيمها ولا شك أن نتائج هذه المجابهة وتحقيق الانتصار فيها على الإرهاب التكفيري والأطراف التي توظفه لخدمة التقسيم ستحمل معها عالماً عربياً جديداً مناهضاً للهيمنة الأميركية وداعماً للشعب الفلسطيني لضرب المشروع الصهيوني. وهذا ما يشير إليه «ميشيل بريندان» في تحليل نشره في المجلة الأميركية (ذي ويك) حين ينتقد الجمهوريين ويحذر الأميركيين من خطر أوهام تقسيم العراق وسورية ويؤكد أن تقديم المخطط الأميركي التقسيمي على جدول العمل سيؤدي إلى زيادة عوامل الدفاع المشترك للأطراف العربية ووحدتها في مقاومة التقسيم. ويبرز الكاتب الأميركي عوامل التقارب المستمرة بين أهل دول المشرق العربي والخليجي وهي العراق وسورية وإيران وتـأثير هذه العواصم التاريخية العربية والإسلامية في المغرب العربي وخصوصاً في الجزائر وليبيا ومصر والسودان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن