قضايا وآراء

فائض النفاق الأميركي

صياح عزام : 

يكاد يغرق العقل في العجز عن الفهم في مستنقع الأحداث وتطوراتها. بهذه الصورة الدراماتيكية، سواء في العراق أو سورية أو غيرهما من البلدان العربية المستهدفة بـ«تسونامي» الإرهاب، حيث تستمر الولايات المتحدة وحلفاؤها في صناعة الأوهام والحديث عن امتشاقهم سيوفهم لدحر الإرهاب الداعشي وإبعاد خطره عن المدنيين الآمنين، وسط هالة إعلامية غير مسبوقة عن أنهم وجهوا ضربات موجعة للتنظيم هنا وأخرى هناك، وتستمر وسط هذه الهالة من الأوهام (مفرمة) الإرهاب في حصد الأرواح من المدنيين والعسكريين لتكتظ بجثثهم المناطق المغطاة بالطيران الحربي للتحالف الأميركي والأقمار الصناعية التابعة له، فالجثث لا تزال ملقاة في الشوارع والأزقة والمنازل والمؤسسات المستهدفة، وروائحها تملأ الأجواء، وفق الأنباء الآتية من مدينة /الرمادي/ بالعراق.
كما تستمر مع ذلك عدّادات الأمم المتحدة في إحصاء الضحايا والمُهجَّرين من قراهم ومدنهم.
أمام هذه الكوارث الإنسانية المتعاظمة والمتواصلة في المنطقة تحديداً، يبدو واضحاً أن الأمم المتحدة أصبحت فاقدة لدورها ووظيفتها، وأضحت وظيفتها تقتصر على إحصاء الضحايا وإصدار البيانات الإحصائية بشأنهم فقط، وتقديم الغطاء الشرعي والقانوني للاعبين الكبار ولمشاريعهم الاستعمارية والتآمرية ضد الشعوب.
وإزاء هذا التناقض الصارخ بين الحرب الإعلامية والدعاية الكلامية عن حروب تحالف وامتشاق سيوف لملاحقة فلول الإرهاب الداعشي، وبين الواقع وفظائعه، يكتنز المشهد بالمزيد من الأدّلة والمؤشرات على (فائض النفاق) الذي يغرق المنطقة وعقول العاجزين عن إدراك أبسط الأشياء، وهو أسلوب قديم مُتجدد يراد منه سلب الوعي والفكر لتسهيل حركة السكين على جسد المنطقة لتقسيمها.
هناك تساؤلات كثيرة تطرح نفسها حول التحول اللافت في الميدان العراقي إلى انهيار سريع للمحافظات والمدن العراقية أمام هجمات /داعش/ الإرهابية بعد النجاحات الكبيرة التي حققتها القوات العراقية بمساعدة الحشد الشعبي بتطهير محافظات ومدن من دَنَس الإرهاب، في الوقت الذي حشدت فيه حوالى /خمسين/ دولة أساطيلها الحربية وجعلت من العراق وبعض الدول العربية والإقليمية المنضوية تحت راية هذا التحالف قواعد عسكرية تنطلق منها الطائرات، وتُدرس فيها الخطط لمحاربة داعش في العراق وسورية، وفي إطار الإجابة عن هذه التساؤلات يمكن التأكيد على بعض الأمور في تفاصيل هذا المشهد منها:
– إن تنظيم داعش هو صناعة أميركية، فقياداته تربّت على أيدي عملاء الاستخبارات الأميركية «سي آي إيه» في سجن /بوكا/ العراقي، وفي مقدمتهم «أبو بكر البغدادي» الذي تم إعداده لقيادة التنظيم، مُتخذاً من الفكر التكفيري التحريضي الضال وسيلة لخداع الناس وجذبهم إلى جانبيه، والذي أسندت إليه مهام الإبادة والتدمير والترويع ليكون أداة لاختلاق الذرائع لأميركا وإسرائيل وحلفائهما من أجل تحقيق المشاريع الهادفة إلى إعادة رسم خريطة المنطقة وفق المصالح الغربية وأمن كيان الاحتلال الصهيوني، ولذلك، فإستراتيجية /أوباما/ ليست مُوجهة ضد /داعش/ بالأساس، بل لتحقيق المشروع الصهيو-أميركي، ومما يدل على ذلك أن تنظيم داعش ماضٍ في التوسع وتحقيق الإنجازات من خلال الانتشار السريع والسيطرة على مناطق عراقية وسورية، وهذا يؤكد أن طيران التحالف وأقماره الصناعية ترصد تحركات القوات العراقية والسورية ومناطق تمركزها وأسلحتها، وترصد الأماكن الخالية من أي وجود عسكري سوري أو عراقي، مثلما حصل في /الرمادي/ و/تدمر/، والسؤال الذي يتبع هنا: إذا كان الطيران الأميركي استطاع خلال عشرة أيام أن يدمر الحرس الجمهوري العراقي أثناء غزو العراق، فأين ذهبت مقاتلات الخمسين دولة المكونة للتحالف وقوات داعش على الطرق الدولية وفي الصحراء العراقية والسورية؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن