ثقافة وفن

ماري عجمي.. «أديبة من عالم آخر» تختتم ندوة الأربعاء الثقافية … المناضلة والشاعرة والإنسان التي عاشت قناعاتها حتى الرحيل … معاون وزير الثقافة: هي صورة للمرأة السورية المنفتحة الواعية وصاحبة أول مجلة نسائية صدرت في سورية

| سارة سلامة – ت: طارق السعدوني

مع ماري عجمي الأديبة والشاعرة والصحفية السورية يختتم الدكتور إسماعيل مروة ندوة الأربعاء الثقافية الشهرية التي كانت تحت عنوان «سوريات صنعن المجد»، متمنياً إكمال مسيرة العلم والأدب والثقافة والإبحار فيهما لتبقى ذكراهم منارة نقتدي بها عبر الأجيال.
وتناول مروة الذي عمل على مدى عامين في إنجاز وإدارة هذه الندوات أبرز القامات الثقافية والأدبية وأشار إلى ما قدمه السيد وزير الثقافة محمد الأحمد من دعم لمشروع ندوة الأربعاء الثقافية وأرادها أن تكون مميزة، والمشروع مدين له وتتالت الندوات وقدمنا ما قدمنا واليوم نجد أن دمشق قد صار دمعها دمع فرح وصار الاحتفاء بها مشروعاً بعد أن دخلنا سابقاً إلى هذه الندوات وكانت المكتبة تصاب يومها بالقذائف واليوم عوفيت دمشق وسيكون هناك الكثيرون الذين هم جديرون بأن يقيموا مشروعها وكانوا يكتنزون ذلك في ذواتهم.
وماري عاشت حياة ملأى بالأحداث وكان لها مساهمة فاعلة في مجتمعها وخصوصاً المجتمع النسائي، حيث تناول محور «ماري عجمي والمنتديات» الدكتور محمد شفيق البيطار، ومحور «استلهام الثقافات الغربية» للدكتور راتب سكر، و«ماري عجمي الأديبة المتمردة» للدكتور فخري بوش.

أهمية المرأة السورية عبر التاريخ
وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد معاون وزير الثقافة المهندس علي المبيض أن: «الندوة تهدف إلى تقديم الصورة الحقيقة للمرأة السورية، وخاصة أن هناك هجوماً شرساً لتشويه كل شيء جميل في تاريخنا السوري وتأتي هذه الندوات ضمن الدفاع الذي يمارسه كل واحد منا فحسب موقعه عن تاريخنا السوري العريق، وماري عجمي صورة للمرأة السورية المنفتحة الواعية وكانت تتكلم الروسية والإنكليزية بطلاقة، وهي صاحبة أول مجلة نسائية صدرت في سورية عام 1910، وكانت بعمر 22 عاماً، وكانت من أوليات المجلات العربية وهذا ما يبين أهمية المرأة السورية عبر التاريخ».
حاملات مشعل العلم

وقال الدكتور محمد شفيق البيطار في محور «ماري عجمي والمنتديات» إنه: «بالنظر إلى وقائع ووثائق ذكرها مؤرخون عن عجمي أثبتوا أنها أول صوت نسائي ارتفع لدعوة المجتمع إلى النهوض وحث المرأة على الأخذ بالعلم والوعي لرسالتها القومية، واتقنت عجمي اللغة العربية إذ عكفت على قراءة القرآن الكريم ودراسة كتب التراث الأدبي ودواوين الشعراء العرب المبدعين ونظمت الشعر الرصين منذ مطلع شبابها بلغة متينة وأسلوب مشرق عذب استجابا لموهبتها الشعرية ومشاعرها القومية والإنسانية».
وبين البيطار أن: «عجمي أنشأت أول مجلة نسوية عام 1910، تحت عنوان العروس بعد أن راسلت صحيفة المقتبس بدمشق وصحيفة المهذب بزحلة، فأقبل القراء على مجلتها إذ وجدوا فيها مقالات وأبحاثاً قيمة، تعالج المشكلات الاجتماعية والتربوية وتدعو إلى الأخذ بالعلم والوعي القومي للنساء والرجال معاً وتطالبهم بالزود عن الوطن والتمسك باللغة العربية، وأسست عام 1920 النادي الأدبي النسائي الذي سعى إلى تحقيق نهضة أدبية اجتماعية ثقافية للمرأة العربية عبر إلقاء المحاضرات والحفلات الأدبية في بيتها الدمشقي، وكانت تقف عجمي في صف هدى شعراوي (مصر)، ومي زيادة الأدب، وجوليا طعمة دمشقية الصحافة وسواهن من صاحبات اليقظة المبكرة، والوعي النير، حاملات مشعل العلم والتقدم في المشرق العربي، من دون التفرقة بين بلد وآخر، ولكن ميزة ماري عجمي عن سائر الرائدات المعاصرات، أن مقدارها وضعها لفترة من الزمن، في مرحلة تفتح الصبا، في صميم معركة النضال الوطني في بلادها».
وأضاف البيطار إنه: «في عام 1922 وبمناسبة زيارة الأديبة مي زيادة إلى دمشق وفي احتفال حضره وخطب فيه لفيف من صفوة النساء والرجال ألقت ماري كلمة ترحيبية بمي زيادة في ذلك الاحتفال والذي أقيم تكريماً لها في قصر البللور في القصاع وبانتهاء الاحتفال وقفت مي زيادة وألقت كلمة بليغة في وسط دمشق شكرت فيها المحتفلين من غير أن تذكر شيئاً رداً على خطاب الأديبة ماري عجمي ما دعا الزعيم الوطني فارس الخوري إلى نقد سلبيتها بارتجال بيتين من الشعر عقب مغادرة زيادة قصر البللور وبذلك يكون قد استرد لعجمي حقها حيث قال: (يا أهل العبقرية سجلوا هذه الشهادة أن ماري الأعجمية هي مي زيادة)».

تحرر المرأة من الجهل
ومن جانبه بين الدكتور فخري بوش في محوره «ماري عجمي الأديبة المتمردة» أن: «يجب علينا عدم بخس حق المرأة السورية وطمس تاريخها الوطني المشرق والتأكيد أن المرأة السورية في أوائل القرن العشرين كانت مهمشة ومع ذلك شارك مجتمعها بتدعيم أسس النهضة الأدبية الاجتماعية، وعند الحديث عن دور المرأة السورية لا بد من استذكار الأديبة الشاعرة ماري عجمي أنها أول امرأة صحفية سورية والدها يوسف عبده العجمي أحد أعضاء المجلس العلمي الأرثوذكس البطركي الدمشقي ووكيل الكاتدرائية الميرمية وكان رجلاً محباً للعلم والأدب».
وأفاد بوش أن: «والدة عجمي هي زاهية وأصل أسرتها من اليونان الوافدين إلى دمشق وعاشت ماري عجمي في البيت الدمشقي الفخم وكانت تتمنى هي وأصدقاؤها من الكتاب والأدباء تحويل هذا القصر إلى متحف يسمى باسمها ويضم مقتنياتها وتراثها الأدبي والصحفي بعد وفاتها».
وكشف بوش أنها: «كانت تكتب في مجلة العروس بعض المقالات الصحفية فالصحافة كانت عشقها الأكبر إلى جانب العلم وكان لها تطلعات أخرى فهي تهوى الكتابة وقلمها طبع في الشعر والنثر في عصر انتشار الفكر وإنشاء المجلات والصحف وأحدثت المجلة ثورة في نظرة المجتمع نحو المرأة التي كانت شغلها الشاغل، فقد سعت ماري جاهدة في القضاء على كل ما يعوق تحرر المرأة من الجهل والتخلف واستقطبت عجمي من خلال مجلتها العروس كبار الأدباء والشعراء للكتابة فيها أمثال جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي وغيرهم، وأقبل القراء على مجلتها إذ وجدوا فيها مقالات وأبحاثاً قيمة تعالج المشكلات الاجتماعية والتربوية وتدعو إلى الأخذ بالعلم والوعي الوطني للنساء والرجال معاً، وتطابهم بالتمسك باللغة العربية».
كما أن عجمي «عاشت في فترة عصيبة من تاريخ الأمة العربية في عهد الاحتلال العثماني البغيض ثم الاستعمار الغربي فكانت من النساء الرائدات وكانت الأديبة الثائرة التي تتحدى الجنود الأتراك وتذهب إلى زيارة خطيبها الشاب (بترو باولي) في سجن دمشق وتنقل إليه الرسائل وتشجعه بعد أن اعتقل وهو ذاهب إلى بيت ماري حيث له أخ مريض فخدعه الشرطي واقتادته وقضى ثلاثة أيام اندلعت خلالها الحرب العالمية الأولى فنقل السجناء وهو في جملتهم إلى دمشق وعند علم عجمي بذلك جن جنونها وأشارت عليه أن يهرب لكنه لم يستجب لها إذ كان بريئاً ولم يرتكب جرماً يدفعه للهروب حيث ثارت ثائرتها من اعتقاله فكانت تتحدى الجنود الأتراك ولم تنقطع عن مراسلته وهو خلف قضبان السجن ورغم كل محاولاتها ووساطة البطرك الذي كان يأخذ الوعود الخلبية من جمال باشا أصدر أخيراً حكماً بشنقه مع الآخرين من دون محاكمة»
أضاف بوش إن: «عجمي واجهت المستعمر الفرنسي بالروح الوطنية الرافضة لكل إرادة خارجية، وقد حاول المنتدبون الفرنسيون ضمها كبقية الأقلام إلى جوقة الزيف، وواجهته بالجلادة والبطولة نفسهما، وهي تقول إن: (أمة هان على أبنائها بذل الدماء، لا يصعب عليها الانتصار في ميادين العمل)، عبارة قالتها عجمي منذ مئة عام لتستنهض شعبها في مواجهة الاستبداد والظلم في فترة عصيبة عاشتها سورية».
ويذكر أن ماري عجمي توفيت في دمشق في 25 كانون الأول 1965 عن77 عاماً بعد أن عاشت في نهاية عمرها بعزلة وبؤس ومرض.
ولم يشارك في جنازتها سوى نفر من المخلصين لها مشوا وراءها إلى مثواها الأخير في مقبرة باب الشرقي للروم الأرثوذكس في دمشق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن