ثقافة وفن

أوهام حقيقية.. أهي أوهام الكاتب أم القارئ؟

| د. منير الجبّان

يظهر أن القاص أمين الساطي قد اختار أن يؤسس لفن قصصي ما اعتاده القارئ العربي إلا فيما تُرجم منه إلى العربية فن قصصي لا يعتمد الحبكة الدرامية والعقدة القصصية بل يأخذك إلى عالم المجاهيل يغرقك في متاهاتها ليمد لك في الآخر حبل نجاة ويسحبك عبر قارب إنقاذ إلى أقرب شاطئ تدوسه بقدميك فتلتقط أنفاسك وتستعيد توازنك، هكذا هو أمين الساطي في مجمل مجموعته القصصية «أوهام حقيقية» وقد تبنته إحدى دور النشر العالمية وستطبع منه إضافة إلى اللغة الأم العربية طبعة بالإنكليزية وهو كسب معنوي كبير لكاتب سوري يتطلع للوصول إلى العالمية وهو حق مشروع لكل مبدع. وعودة إلى المجموعة القصصية، صعب أن تمسك قصة منها ولا تكملها ولو لم تشدك بدايتها لكن القاص وبشكل ما يقنعك أو لا يقنعك يغريك أن تقرأ لتعرف أكثر فهو يُدخلك مثلا في بعض قصصه في عالم الحسابات الفلكية فيشدك إلى عالم الفضاء والكون والنجوم والطاقة والجاذبية وتكتشف أنك لا تزال تقرأ في قصة وليس في كتاب علوم وتتحرّق لتكتشف نهاية لها ولو انحرف بك القاص إلى الأرقام والمعادلات والعلوم النظرية والتطبيقية والفزيائية والرياضية وإلى كثير من الخيال العلمي وفِيه تحاول أن تلتقط أنفاسك وأنت وسط هذا الكم الهائل من الفرضيات والتهيؤات والمترادفات والمتضادات نجم يسبح بلا وعي في فلكها ويلفّ بلا توازن في مدارها، وفي أوقات تحاول أن تفلت لكنك تعلق في شِباك صياد ماهر خبير عتيق في المهنة ولو كانت أصوله ولزمن طويل الهندسة فتجده يتحايل عليك لتكمل ولا يفيدك أن تفكّر بالتعجّل أو الاستعجال وتجاوز صفحات بل تُكمل معه مغامرة أنت اخترت أن تقامر فيها تشارك القاص رحلة البحث عن مجهول وفِي سرّك تهرُّب من سؤال حائر محيّر: هل أَجِد نفسي في واحدة من قصصه أو لعلي قد أعثر فيها على الكاتب نفسه على هيئة أحد أبطال قصصه فأسجل لنفسي نقطة أكسب فيها معركة هو أشعلها. هذه هي قصص المجموعة الأولى لأمين الساطي «أوهام حقيقية» تشدها إليك تستدرجك إليها تلتقط فيها مفاهيم علمية غائبة عنك يتزاوج فيها الخيال والحقيقة من دون مأذون ولا عقد عرفي تغطس بك وإن كنت لا تجيد السباحة في فضاءات الخيال العلمي بكل إبهاره وشكوكه ويقينه وتداعياته، وتفاسيره تدعك بعد أن تُنهي قراءة كل قصة ضائعا حائرا تحاول أن تتقمّص دور واحد من أبطال القصة فلعلك وجدت من يشبهك فيها وفِي الأخير تفيق من أوهام أمين الساطي لأوهامك أنت وتقارن أيها حقيقية أكثر أوهامه أم أوهامك.. أنصحك بقراءتها إن كان قد سبق لك أن قرأت أدباً قصصياً غربياً يشبهه وتحب أن تكتشف كيف يكون عند الساطي وهو يؤسس له بالعربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن