قضايا وآراء

فتح استانبول والفوضى القادمة في تركيا..

د. بسام أبو عبد الله : 

انتشر فيديو لمدة 7 دقائق صباح 18/8/2015 لتنظيم داعش الإرهابي يدعو فيه المتحدث الأتراك للثورة ضد الدولة غير المسلمة (تركيا)، كما يدعو فيه المسلمين للسيطرة على استانبول وتخليصها من الملحدين، وبغض النظر عما ورد في هذا الفيديو من عرض تاريخي، وتوصيف لشخص رجب طيب أردوغان من أنه خائن، وعميل، فإن السؤال يبقى هل هذا الفيديو يعني انقلاباً من داعش على معلمها أردوغان، أم هو تنسيق بينهما من أجل استخدام داعش لضرب خصوم أردوغان (الأكراد الملحدين كما وصفهم الفيديو، والعلمانيين الكفرة، وعملاء الصليبيين!!)؟
كل العالم يعرف أن داعش صناعة أميركية بشراكة إقليمية ذلك أن أغلبية المقاتلين الأجانب الذين انضموا لهذا التنظيم الإرهابي جاؤوا عبر تركيا وبترتيب استخباراتي عالمي، وغير ذلك مجرد أوهام، وكذب وهراء، وكل طرف شريك في صناعة داعش يريد استخدام هذه المنظمة الإجرامية لتحقيق أهدافه، فواشنطن تريده سكيناً لتقسيم بلدان المنطقة، والقول إنني لن أشارك في القضاء عليه ما لم تقبلوا الواقع الجغرافي، والسياسي الذي يخدم مصالحي، وتركيا (أردوغان) كانت تحلم باقتطاع أجزاء من الجغرافيا السورية والعراقية، ومد نفوذها باسم (العثمانية الجديدة) و(الإخوانية) والإتيان بأنظمة (ألعوبة) بيدها على النمط اللبناني مثلاً، ولكن تركيا (أردوغان) الإخوانية وقعت في شر أعمالها إذ تبين لها أن التقسيم الذي تسعى إليه واشنطن في سورية، والعراق، سوف يشمل جغرافيتها أيضاً، وسيكون (الأكراد) الأداة، والمعول لضرب تركيا التاريخية التي قامت أساساً على حساب دول المنطقة، لتجد نفسها مهددة كما هي حال الدول التي تآمرت عليها في المنطقة..
إذاً، تركيا أمام واقع فوضى قائمة، ومستقبلية تتمثل فيما يلي:
1- فوضى سياسية نتيجة فشل حزب (أردوغان) في الحصول على الأغلبية البرلمانية، وتشكيل حكومة وحده، إضافة إلى الفشل في تشكيل حومة ائتلافية مع أي من الأحزاب التي وصلت إلى البرلمان، وهو ما سوف يعني الذهاب لانتخابات مبكرة قد لا تغير الكثير في الواقع السياسي.
2- محاولة أردوغان فرض نفسه عبر الأمر الواقع، وبأنه رئيس منتخب من الشعب، وعلى الجميع القبول به وبصلاحياته الجديدة من دون أي التزام بالدستور التركي الحالي، ومن دون القدرة على إنتاج دستور جديد يحدد صلاحيات الرئيس، وتوازن القوى السياسي الذي نشأ بعد الانتخابات، وهو أمر ترى فيه الأحزاب المعارضة (انقلاباً) قد يؤدي إلى فوضى حقيقية داخل تركيا التي قال أردوغان: (إن على الجميع أن يفهم حجم التغيير الذي حدث فيها) عبر هيمنة رجاله على كل مفاصل الدولة فيها.
3- تدهور الوضع الاقتصادي نتيجة عدم الاستقرار السياسي، والغموض الذي يكتنف واقع تركيا، والمنطقة ما انعكس سلباً على سعر صرف الليرة التركية، وزيادة في التضخم، وواقع ومؤشرات الاقتصاد التركي عامة، وهو الملف الذي كان يشكل العمود الفقري للنموذج الأردوغاني، ما سيعني اهتزاز كامل التجربة وسقوطها.
4- انتشار الفكر التكفيري داخل أوساط الشباب التركي نتيجة للخطاب التحريضي، والمذهبي الذي اتبعه أردوغان، وداوود أوغلو ضد خصوم الداخل والخارج وظهور مؤيدين لداعش تبلغ نسبتهم حسب أحد الصحفيين الأتراك 11.3% – أي تسعة ملايين مؤيد، ويقول هذا الصحفي: إنه إذا قرر 1% من هؤلاء القتال مع داعش فإنه لدى داعش 90 ألف مقاتل داخل تركيا، وهو أمر يشعر بمخاطره العديد من القوى داخل تركيا، بما فيها رئاسة الشؤون الدينية التي أعلن رئيسها د. محمد غورميز في 17/8/2015 أن حركات مثل القاعدة وداعش لم تكن تمارس غير الإرهاب، وعلى المسلمين جميعاً الوحدة ضدهم، وضد فكرهم، متسائلاً عن السبب الذي يجعل لدى داعش القدرة على تجنيد شباب تركي مسلم في صفوفه (من دون أن يعود لتصريحات رئيسه أردوغان المذهبية والتحريضية طوال سنوات!!).
سبق ذلك قيام إدارة الشؤون الدينية التركية بإصدار تقرير موجز في 10/8/2015 بعنوان: (أهداف، نشاطات، والفهم الإسلامي للمنظمة الإرهابية داعش) ليكون مرجعاً للنشاطات الدينية، والحكومية في محاربة داعش.
5- انفجار الصراعات مع الأكراد مرة أخرى، وعودة التوابيت للظهور على شاشات المحطات التركية، في محاولة من أردوغان لشد العصب القومي التركي من أجل المكسب الانتخابي كما يتوهم، لأنه لم يستوعب الصفعة التي تلقاها في 7/6/2015، وهو يرى أن حزب الشعوب الديمقراطي كان السبب في سقوط حزبه انتخابياً، وأحلامه في نظام رئاسي مطلق، ولذلك يسعى للتوتير الداخلي إثنياً- ومذهبياً من أجل أن يبقى مهيمناً ليس من أجل تركيا، وإنما من أجل إخفاء أسراره الكثيرة طوال 13 عاماً.
رجب طيب أردوغان لم يبق منه غير الجلد والعظم بعد أن أخذه الأميركان لحماً، ورموه عظماً كعادتهم في استخدام عملائهم، وأدواتهم عبر التاريخ فهو ليس أكثر أهمية من (شاه إيران)، وحسني مبارك، وبن علي، وحكام كُثُرْ على مستوى العالم اعتقدوا، وتوهموا أن بإمكانهم أن يتمردوا، أو يخرجوا عن الخط المرسوم لهم، وأردوغان الآن أمام خيارات صعبة للغاية، فقد سقط مع حزبه كنموذج في المنطقة، واقتصاد بلاده يهتز، والفوضى السياسية تضرب أطنابها من دون وجود رؤية واضحة للمستقبل.
فهل سيتدخل الجيش التركي إذا خرجت الأمور عن السيطرة وسط تهديدات انفصالية من (الأكراد)، وتهديدات من داعش وغيرها من المخاطر الإرهابية التي صنعها أردوغان بيديه، وتراجع اقتصادي، ومشاكل اجتماعية تتصاعد بسبب ملايين المهاجرين والتوترات الداخلية أيضاً.
بعض الصحفيين، والباحثين الأتراك يقولون: إن على حزب العدالة والتنمية أن يقرر إما أن يكون حزباً سياسياً، أو (رابطة لمحبي أردوغان)، لأنه إذا استمر الواقع الراهن فإن تركيا قد تدخل نفقاً مظلماً تشهد فيه أحداثاً أبشع مما شهدته يوغسلافيا، وأكثر شراسة مما تشهده سورية.. وقد تكون نهاية أردوغان كما انتهى (عدنان مندريس) في ستينيات القرن الماضي.
هي نهاية محتومة للذليل، والتابع، والمنافق، والكاذب، هو دم السوريين، ولعنة دمشق ستلاحقهم حتى سقوطهم جميعاً- اقرؤوا التاريخ أيها الحمقى، إنها سورية..

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن