ثقافة وفن

جسور العشق والحب التي تصل بين الكلمة واللون … عن تجربة الكلمة في التشكيل والأبعاد اللونية … غنوم: الخط العربي هو الفن البصري الأكثر نقاء بين فنون العرب البصرية لأنه من صنع وإبداع العربي

| سارة سلامة

عندما يتضافر الشعر والرسم والموسيقا والتشكيل بعضها مع بعضٍ لا بد أن تصنع الجمال، هذا ما أوحى إليه الكبير نزار قباني عندما قال «كل الدروب أمامنا مسدودة.. وخلاصنا في الرسم بالكلمات»، كأنه يرشدنا إلى طريق ما إن خضنا به حتى استطعنا عبور القارات، وكان هذا ما جمع الفنان التشكيلي محمد غنوم والكاتب محمد منذر زريق والإعلامية الدكتورة زينة حسين في المركز الثقافي العربي بأبو رمانة من خلال ندوة خاصة عن (جسور العشق والحب التي تصل بين الكلمة واللون)، بحضور نخبة من الفنانين التشكيليين والشعراء والأدباء.

الرسم بالحروف والكلمات
أجاب الفنان التشكيلي محمد غنوم في محوره عن عدة تساؤلات، الأول منها عن الفرق بين شكل الحرف ونطقه ومدلوله؟ حيث قال: إن «هناك علاقة وثيقة في شكل ونطق ومدلول الحرف كلها متكاملة بآن معاً، كما تناول غنوم المفهوم السائد لدى الكثير من الخطاطين الكلاسيكيين عن أن: «الخط وصل إلى درجة الكمال ولا يمكننا أن نضيف أو نحذف أو نخرج عن هذه القاعدة فهو خروج محرم، حيث يجب أن يتقيد الخطاط بهذه القواعد، وبالنسبة لي أدحض هذه الفكرة ولا أؤيدها فلا يوجد فن في العالم يقف عند حدود ويصل إلى درجة الكمال ما دام هو منتجاً إنسانياً، ونحن العرب منذ ابن مقلة إلى الآن وضعت لدينا قواعد، وهندس الحرف وأصبحت له أوزان ومدارس وأشكال، وهذا لا يعني بأي حال من الأحوال أننا لا نستطيع أن نضيف ونحذف ونطور ونبدل ما دام منتجاً بأيدي فنانين لا يقفون عند حدود من الإبداع ويبحثون ويجربون وهناك صور وإبداعات جديدة على مساحة العالم».
ويرى غنوم أن: «الخط العربي هو الفن البصري الأكثر نقاء بين فنون العرب البصرية لأنه من صنع وإبداع الإنسان العربي الذي يحمل في فكره وفلسفته التجريد بكل المقاييس ولا يميل إلى التشخيص، والخط العربي إذا أردنا أن نصنفه ضمن المدارس التشكيلية فهو فن تجريدي بامتياز، وهو منتهى التجريد، فالحروف لا تشبه الحيوانات ولا الطيور ولا أي شيء آخر تشبيهي إنما بعض الخطاطين يستعينون بهذه الصور ويجسدونها ويشبهونها بأشكال تشبيهية وهذا مناقض للفكر الذي قام عليه فن الخط العربي وهو فكر مجرد ونابع عن إنسان ينظر إلى ما وراء الطبيعة وينظر إلى الخالق الذي ليس كمثله شيء».
كما تحدث غنوم عن مصطلح الحروفية الذي أطلقه الغرب على الذين يستخدمون الحرف في أعمالهم الفنية حيث قال: «هذا المصطلح قاصر عن أداء المهمة والدقة في هذه المدرسة وكثيرون ممن يطلقون على تجربتي حروفية، والحقيقة أن هناك تشكيلاً بالكلمات وتشكيلاً بالحروف وهذا التشكيل يبنى على موسيقية الحرف العربي وهذه الموسيقا العذبة التي تعزفها الحروف تقدم لنا أعذب الألحان وأجملها في كل تشكيل خطي وفي كل لوحة».
وناقش غنوم أيضاً جانباً مهماً إذ يقال عن تجربة الكلمة في الرسم إذا كانت مقروءة في التشكيل الخطي فإنها يمكن أن يغلب عليها الأدب ويقلل من جماليتها حيث قال: «لا أوافق على هذا الكلام لأن هناك تكاملاً بين الشكل والمضمون وبين الكلمة المنطوقة ومدلولها وتشكيلها كل يتكامل ويؤدي دوره ويعطي صورة جميلة بهية وألقاً لفن الخط العربي، إضافة إلى ذلك إننا كعرب ساهمنا بهذا الفن البصري وقدمنا أشكالاً لا محدودة ومدارس فنية قائمة بذاتها وأساليب وأشكالاً بدأت منذ بدأنا نستخدم الحرف».
وكشف غنوم أن: «الإسلام كان له الفضل الأكبر في تطور هذا الفن لأن اللـه عز وجل اختار هذا الحرف ليكتب به كلامه وهو القرآن الكريم، لذلك فإن هذا القرآن تبارى وتنافس الخطاطون والفنانون على مساحات العالم ليس فقط العربي إنما العالم الإسلامي ليقدموا أجمل الصور وأبهى التشكيلات ليكتب به كلام اللـه عزّ وجل حتى ينالوا ثواب كتابته وفي الوقت ذاته يقدمونه بأجمل وأبهى صورة».

يرسمون بالكلمات وينظمون بالألوان
وقال الكاتب والشاعر محمد منذر زريق: «من الصعب معرفة أيهما كان أولا الرسم أم الشعر، ولكن ما لا شك فيه أن هذين الفنين الساميين قد كانا توءمين وتبادلا التأثير دائماً، وهذا ما نلاحظه بين العديد من الشعراء والفنانين التشكيليين في العالم فالشاعر( بودلير تأثر بالفنان دولاكروا، والفنان أبولينير تأثر بالشاعر رامبو، وتأثر الأديب الفرنسي أميل زولا بالفنان سيزان)، كما أن الكثير من الفنانين التشكيليين كتبوا الشعر وقام الكثير من الشعراء بالرسم، ومن الأسماء العالمية التي جمعت بين الشعر الرسم و(يليام بليك، وماكس جاكوب، وبيكاسو، وجبران، وطاغور)، وفي سورية لدينا (جورج عشي، وأدونيس، وحسين حمزة، وفاتح المدرس وغيرهم..)».
وأضاف زريق: «من يتعمق في الشعر فسيجد أن أجمله ما كان مشبعاً بالصور، فالصورة الشعرية التي تعادل الرسم بالكلمة، وهي ما يبقى من الشعر عندما تتم ترجمته على حين تتبخر البلاغة والموسيقا والزخارف والقوافي، فلو أخذنا بيت الشعر المعروف لعلي بن الجهم، (عيون المها بين الرصافة والجسر… جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري)، نراه بالعربية جميلاً ولكنه إن ترجم للغة أخرى صار هزيلاً ضعيفاً، بينما لو ترجمنا قول بدر شاكر السياب، (عيناك غابتا نخيل ساعة السحر.. أو شرفتان راح ينأى عنهما القمر)، لوجدنا هذا البيت الشعري رائعاً ساحراً في أي لغة لأنه يعتمد على الصورة والرسم»، مبيناً أننا: «نعجب بشعراء مثل طاغور ورامبو وحافظ الشيرازي رغم أننا لم نقرأ نصوصهم باللغات التي كتبوا فيها إلا أن الصورة قادرة على التنقل من لغة إلى أخرى بزخم وروعة فالصورة لغة عالمية كالموسيقا».
وأفاد زريق بأنه: «في سورية يعتبر نزار قباني أجمل شاعر برع بالرسم في الكلمات وكان ملهماً للكثير من الفنانين التشكيليين الذين رسموا من بوح قصائده عشرات اللوحات ومن أهم الفنانين السوريين الذين قدموا الكثير من وحي نزار الفنانان أيمن الدقر وإسماعيل نصرة، وقدم كل منهما نزاراً بأسلوب مختلف تماماً، فأيمن الدقر كان يقف أمام القصيدة وقفة الند للند والصديق المحب أمام صديقه الكبير لا ينحني أمام النص ولا يتعالى عليه بل يعيد صياغته بحب وذكاء وثقافة عالية وبراعة في كل التفاصيل وهذا ما نلاحظه في لوحاته التي تصور أبياتاً من القصيدة الدمشقية، على حين كان إسماعيل نصرة ذائباً في عوالم نزار لشدة الشبه بين لوحاته وشعر نزار حتى يخيل إلينا أن كل لوحات إسماعيل نزارية الهوى».
وعن تجربته الخاصة يقول زريق: «لعل مجموعتي الشعرية (بوح عاشق وحبق)، التي نشرتها من خلال معرض الفن التشكيلي (حالة حبق) في صالة ألف نون قبل أكثر من عام كانت تجربة فريدة لأن أكثر قصائد المجموعة من وحي الفن التشكيلي السوري، وقد أثرت قصائدي في العديد من الفنانين السوريين الذين رسموا من وحيها ومنهم (بشار برازي، وناجي عبيد، وسناء قولي، واسماعيل نصرة، وعصام المأمون وأكرم العلي)».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن