قضايا وآراء

المصلحة السورية

| مازن جبور

بات واضحاً أنه لن يحكم طريق الحل للأزمة السورية سوى مراعاة كل المصالح المتقاطعة للفاعلين الإقليمين والدوليين في منطقة الشرق الأوسط وفي سورية وعلى سورية ذاتها، بالخصوص مصالح دمشق في الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال البلاد، وهو ما تسبب بحالة اللاتفاق في القمة الثلاثية الروسية التركية الإيرانية التي عقدت في طهران الجمعة، إثر التعنت التركي في الحل.
ملفان من النوع الشائك والمعقد هو ما تم تباحثه في طهران بين الضامنة لمحادثات «أستانا» على مستوى الرؤساء، الملف الأول، الذي احتل الأولوية، هو ملف الشمال السوري بثلاث قضايا، القضية الأولى تتعلق بالتنظيمات الإرهابية المتمثلة بـ«جبهة النصرة» و«الحزب الإسلامي التركستاني» و«حراس الدين» ومن لف لفها، ولعل هذه القضية قد حسمت بإقرار دولي عبر حديث المبعوث الأممي الخاص إلى سورية ستيفان دي ميستورا عن وجود 10 آلاف إرهابي في إدلب، وعبر الإقرار التركي بإدراج «جبهة النصرة» على قائمتها للتنظيمات الإرهابية، الأمر الذي أكده بوتين وثبت تأكيده الجيش العربي السوري والقوى الحليفة بتكثيف العملية العسكرية بعيد الاجتماع بدقائق معدودة على من أقر بإرهابهم تركياً ودولياً حتى الآن، بعد رفض طلب أردوغان بهدنة يبدو أنه كان يسعى من خلالها إلى تجنيب مرتزقته من «النصرة» الهلاك المحتم على يد الجيش.
أما القضية الثانية، المتمثلة بباقي التنظيمات المسلحة التابعة لأنقرة التي سعت تركيا إلى إطالة عمرها وبحثت عن مسوّغ ما لوجودها في الشمال، فربما كان اقتراحها في هذا الخصوص إما بإعادة دمجها وتغيير هيكلتها بعد سحب سلاحها الثقيل، وإذا ما تحققت هذه الخطوة، فستستند إليها أنقرة في تبرير بقاء نقاط المراقبة التي نصبتها بمحيط إدلب بذريعة تطبيق اتفاق «تخفيض التصعيد» المنبثق عن محادثات «أستانا» حول سورية، في الوقت ذاته فإن تركيا لمست من لهجة بوتين أن السيطرة على إدلب من الجيش السوري أمر حتمي وهذا لابد سيدفعها إلى التفكير في إعادة تموضع نقاط المراقبة خاصتها بما يتناسب مع المساحات الجديدة التي سيسيطر عليها الجيش العربي السوري بعد القضاء على المُقر بإرهابهم تركياً وأممياً، وبما أن أنقرة تدرك أن مخططها هذا سيقابل بالرفض من دمشق، ستبحث له عن مخارج ربما عبر التعهد بإشراك هؤلاء في أي معركة تفتح شرقاً وإلحاقهم بالقوات الرديفة للجيش العربي السوري على غرار ما حدث في جنوبي البلاد.
وبخصوص القضية الثالثة الأكثر حساسية والمتعلقة بوجود الاحتلال التركي المباشر في ثلاث مناطق سورية في شمالي البلاد، الأولى منطقة مثلث اعزاز جرابلس الراعي، والثانية منطقة عفرين، والثالثة المتمثلة بمنطقة منبج، إن هذا الوجود «الاحتلالي» لا بد أنه بُحث وبقوة، وإن حجم الخلاف حوله ظهر في الحدة الروسية التي أبداها بوتين في اللقاء ولا بد أنه يظهر لاحقاً في العلاقات الروسية التركية على المدى القريب جداً، ولتفادي خلاف روسي تركي من النوع الصدامي قد تسعى أنقرة إلى الهروب به إلى الأمام وربطه بحل ملف شرقي البلاد، وهو ما يتناقض مع هدف سورية وحلفائها بالتأكيد المستمر على وحدة وسيادة واستقلال سورية.
انطلاقاً من القضيتين الثانية والثلاثة ستسعى تركيا لاحقاً إلى رهن قضية الوجود اللاشرعي للتنظيمات المسلحة التابعة لها في الشمال بملف شمالي شرقي سورية أي منطقة الوجود الأميركي الكردي، فأنقرة التي تعتبر أمنها القومي على المحك بسبب «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكل العمود الفقري لـ«قوات سورية الديمقراطية» المدعومة أميركياً، بات الآن حجم التهديد ونوعه مختلفاً، مع ما سرب في تقارير إعلامية تتحدث عن خطة أميركية لنشر منظومة درع صاروخي على الحدود الشمالية بين سورية وتركية حيث الكرد «أعداء» تركيا، وهو في الوقت ذاته، رد أميركي على ما أشيع عن شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الروسي إس 400.
إن العرض السابق للتفاعل بين ملفي الشمال والشرق يقتضي الأخذ بالحسبان المصالح الدولية لكل المشتركين به بغية التوصل إلى سيناريو توافقي، وهذه المصالح تتمثل بـ:
أولاً: تتمثل مصلحة سورية وفق ما تعلنه دمشق باستمرار، بالقضاء على أي وجود مسلح خارج سلطة الدولة السورية، بغض النظر عن تسمياته «إرهاب، معارضة مسلحة، قوات كردية» أو غيرها، إضافة إلى الهدف الآخر المتعلق بالسيادة السورية والمتمثل بإنهاء أي وجود غير شرعي لقوات دولية أخرى على الأرض السورية، سواء كانت تركية أم أميركية أو غيرها، والدولة السورية عازمة على تحقيق الهدفين السابقين بغية إعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد والحفاظ على وحدة واستقلال وسيادة سورية، وهو ما ستؤكده جثث الإرهابيين ما إن يبدأ الجيش العربي السوري عمليته في الشمال خلال الأيام القادمة.
ثانياً: تتمثل مصالح إيران بإنهاء الوجود الأميركي الكردي في الشمال، بما يسهل الحركة على خط طهران دمشق بيروت، وبما يحافظ على استقرار العلاقة مع تركيا ويعزز علاقتها بموسكو في ظل الهجوم الأميركي المركز عليها.
ثالثاً: تتمثل مصالح روسيا في حل الأزمة السورية بدعم رؤية دمشق، دون التسبب بمزيد من الخلافات في المنطقة، وبما يقلل من الفجوة التنافسية بينها وبين أميركا في الشرق الأوسط.
رابعاً: تتمثل مصالح تركيا في تحقيق أمنها القومي المتمثل حالياً بإيقاف نشر «الدرع الصاروخية الأميركية» والقضاء على التنظيمات الكردية في سورية، وقد تكون مستعدة في سبيل ذلك للتخلي عن أطماعها التاريخية في الشمال السوري.
إذاً تبقى المصالح الدولية وإمكانية إشباعها هي العنصر الرئيس الحاكم لتفاعلات الحل للأزمة السورية، مع التأكيد أن أنصاف الحلول لم تعد تجدي، وهو ربما ما أكدته دمشق لموسكو وطهران خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى روسيا أو خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى دمشق، ولو أخذت المصالح السابقة بالحسبان لكان من الممكن الخروج من اجتماع طهران بخطة إستراتيجية لحل الأزمة السورية وإقفال الربع ساعة الأخير، وفق تعبير وزير الخارجية والمغتربين وليد المعلم.
لابد أن الأيام القليلة القادمة ستظهر مدى جدية دمشق وحلفائها في تحقيق ما يعلنونه من هدف لهم، بتحقيق وحدة وسيادة واستقلال سورية، وهي المصلحة التي تعلو على أي مصلحة دولية أخرى في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن