ثقافة وفن

حزن عالمي على سيد تدمر…أغنى المتاحف بالاكتشافات المذهلة ولم يترك تدمر

 مها محفوض محمد : 

لم تشفع له سنون العمر التي تجاوزت الثمانين ولأنه أبى الهروب من مدينته التي ولد فيها وعشقها وقضى حياته في خدمتها وحماية كنوزها، تحدى الإرهاب بصمود وصلابة حجارة تدمر ليقتل بطريقة وحشية أثارت سخطاً عالمياً ولم يكن لسقوط تدمر في يد الإرهاب وقعاً كالذي حصل مع اغتياله فلم تبق وسيلة إعلامية إلا تناولت الخبر وخاصة المكتوبة منها فهو الباحث وعالم الآثار السوري الذي يعرفه الغرب جيداً حيث عمل الدكتور خالد الأسعد مع بعثات آثار عالمية من مختلف الجنسيات كان يساعدها في عمليات البحث والتنقيب في آثار تدمر كما قدم دراسات علمية مهمة ترجمت إلى عدد من اللغات. صحيفة لوفيغارد الفرنسية كتبت تحت عنوان «الاغتيال المرعب لخالد الأسعد»: هول آخر من أهوال داعش، إنها تقطع رأس مدير موقع الآثار التدمرية وتعلق جسده أمام الناس خالد الأسعد (82) عاماً خصص أكثر من خمسين عاماً من حياته لصيانة وإعلاء شأن الموقع الأثري، يا لتحفة العالم اليوناني- الروماني بهذا الخبر المريع تخيلوا أن عالماً كهذا قدم خدمات للتاريخ يذبح بهذه الطريقة!

وكان جال لونغ مدير معهد العالم العربي في باريس ووزير الثقافة في عهد فرانسوا ميتران قد ثارت ثائرته أمام هذا العمل المريع فصرح قائلاً: هذا الرجل الرائع عمل خلال خمسين عاماً على ترميم وحماية كنوز تدمر لأجل الإنسانية، إن الذين اغتالوه هم وحوش فنحن نواجه حثالة البشرية ويجب أن نتوقف عن وصفهم بالإسلاميين، فالإسلام دين السلام والنور، هؤلاء لديهم مشروع لترويع الإنسانية ومحوها، هذا إذا كنا نستطيع الحديث عن الإنسانية مع كائنات كهذه، إنهم أقذر كائنات على الأرض أليس من العار أن يعذب شخص كهذا؟
صحيفة لوموند كتبت: إعدام رجل كبير كهذا هو عمل شنيع، لقد أغنى المتاحف بالاكتشافات المذهلة وكان الأسعد هو من استقبل رئيس الوزراء الفرنسي ريمون بار في تدمر عام 1977 وكانت الزيارة خارقة، لقد بدأ عمله في هذا المجال منذ العام 1960 ولم يكن قبله هناك أي إدارة آثار تشرف على الموقع لقد رفض أن يترك تدمر لأنه يحبها حتى النخاع واعتبر تركها خيانة للأسلاف.
صحيفة جيوبولتيك كتبت: العاشق لتدمر والمرجع في عالم الآثار هو كنز بالنسبة لسورية والعالم. لقد كان «سيد تدمر» على الأقل بالنسبة لثلاثة أجيال من المؤرخين وعلماء الآثار، كان متحمساً جداً لعمله وشغوفاً به، لقد سمى ابنته زنوبيا باسم ملكة تدمر لشدة حبه لهذا البلد.
وصحف أخرى كثيرة ومواقع عالمية وشخصيات عديدة من كبار الباحثين وجهوا التحية إلى هذه الشخصية العظيمة واصفين إياه بـ«الحكيم» وقد أذهلهم الخبر.
ريجيس فاليه عالم الآثار المختص بالشرق الأوسط ومدير مختبر الآثار والعلوم في باريس تحدث إلى مجلة نوفيل أوبسرفاتور قائلاً:
وتستمر المجزرة ولكن هذه المرة كانت الضحية شخصية مهمة جداً إنما بالنسبة لداعش جميع الذين يعملون في خدمات الآثار السورية هم أهداف أولوية أولاً: لأنهم يعملون مع الدولة التي هي أحد أعداء التنظيم الإرهابي، ففي سورية هناك مديرية آثار تعمل بمهنية عالية تتبع لوزارة الثقافة السورية وهي إدارة شاملة بدأت منذ العام 1920 ويعمل في هذه الإدارة عشرات الآلاف من الموظفين بدءاً من المدير إلى حراس المواقع وأغلب من يعرف هؤلاء هم القرويون الموجودون في أماكن الآثار، وقبل بدء الحرب في سورية عام 2011 كانت هذه المديرية قادرة على استقبال عشرات البعثات الأجنبية. ثانياً: إن مهمة هؤلاء الحفاظ على قيمة التراث بيد أن «داعش» تريد تدمير كل أثر لهذا التراث العظيم وهذا منهج مرعب، لقد عملت لزمن طويل في بعثات شمال شرق سورية قرب مدينة الحسكة كنا نصل إلى مطار دمشق ثم نذهب إلى تدمر وأود القول إن خالد الأسعد هو رجل نزيه إلى أبعد الحدود ومن النادر أن تجد من أمثاله، لقد كرس حياته كلها لحماية الآثار وأبى أن يبوح لهم بمكان الآثار وهم يركزون على الذهب، وكل من يعمل بالآثار سمع يوماً هذا السؤال وأعتقد أنه بالنسبة لتدمر فإن الحكومة السورية كان لديها الوقت لإخلاء الآثار باتجاه دمشق قبل أن تقع في أيدي الإرهاب ذلك أن تدمر العظيمة كانت حتى القرن الثالث قبل الميلاد تنافس روما واليوم هي حافلة بالمناجم وخطر تدميرها يعادل خطر اختفاء بومبي ومدرج المسرح في روما.
وكنت بالتعاون مع كوليج دو فرانس وجامعة باريس الأولى قد أطلقت في آذار الماضي طلباً لجمع تواقيع للدفاع عن التراث في تلك المنطقة وجمعنا حتى الآن 1800 توقيع وهي نتيجة جيدة لقد أوكل إلي ترقيم الأرشيف العلمي لموقع لارزا العراق وحصلت على قروض لتصميم نموذج مصغر 3D لموقع ماري السوري وفي أيلول القادم سأذهب إلى كردستان العراق فالمعركة ضد البربرية مستمرة.
ميخائيل بيوتروفسكي مدير معهد الارميتاج الروسي كتب كلمة وجه فيها التحية لذكرى الراحل الكبير واصفاً طريقة قتل الأسعد بالمروعة والوحشية، يقول: هؤلاء المجرمون ليس لديهم أي إحساس فبماذا كان خالد الأسعد يهددهم وأي خطر كان يمثله هذا العالم ذو الثانية والثمانين عاماً صاحب المؤلفات العلمية المهمة.
يبدو أن خطره يكمن في عمله ذاته الذي كان يقوم به للحفاظ على الآثار والتعريف بالصروح الثقافية القديمة، عمله هذا سمح لشعوب كثيرة بالتعرف على الماضي والمقارنة مع ما يروى عنه ومع الصروح الثقافية الباقية إلى يومنا هذا وطرح الكثير من الأسئلة، وما يحصل من تدمير لهذه الصروح هو عودة إلى عصور الجهل والظلام ومسعى إلى حرمان الناس من المعرفة والتصور والانسجام، ويضيف: لقد شهد تاريخ الإنسانية من قبل تدمير صروح معمارية وثقافية وكانت أيضاً من متطرفين وانتماءات دينية وأيدولوجيه لكن أن تأتي لحظات محتومة كهذه يعدم فيها أشخاص هم حراس الحضارة فهذا شيء مرعب، كنا نعتقد أن البروفسور خالد الأسعد سيصعد إلى المنصة لينقذ تدمر وليس ليعدم عليها، لقد اغتيل في حرب سيطر فيها الجهل على الثقافة.
صحيفة الزمن الفرنسية عنونت: حزن عالمي على شخص عذب ملتزم، هو المعلم في مجاله من دون منازع، كما نشرت على موقعها تعليقات من عشرات آلاف القراء جاءت مستنكرة متأثرة ومؤثرة كما استنكرت نشر الصورة وبأن ذلك سينشر الرعب وما تريده «داعش» فكان الرد: لا، إنه من الضروري نشر شناعة هذه الجريمة التي ارتكبتها داعش كما يجب أن ينشر على الملأ، لأنه في مكان يعرفه الجميع في تدمر واللافت أيضاً كان عدد الذين ثاروا ضد اللامبالاة الدولية والتساؤل: متى سترد القوى العظمى، إلى متى سيستمر هذا الصمت الذي يصم المجتمع الدولي، ومتى سيدركون أن الخطر داهم جداً، ومتى ستضع المجموعة الدولية نهاية لإجرام هؤلاء الوحوش؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن