قضايا وآراء

رد الصين على الحرب التجارية ومأزق الشركات الأميركية متعددة الجنسيات

| د. قحطان السيوفي

بعد مضي أقل من عام، على إقرار الكونغرس الأميركي تخفيضاً ضريبياً كبيراً على شركات الولايات المتحدة، تستعد الشركات الأميركية متعددة الجنسيات لحرب تجارية شاملة بين أكبر اقتصادين في العالم، من المرجح أن تفرض واشنطن رسوماً جمركية إضافية عقابية على أكثر من نصف جميع الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.
رداً على ذلك، ستعمل إدارة الرئيس الصيني على فرض رسوم جمركية على أكثر من 80 في المئة من الصادرات الأميركية إلى الصين.
بالنسبة للشركات الأميركية في الصين، يبدو الأمر كأنه كابوس ثقيل…
عملياً أصبح الاستهلاك هو المحرك الأهم للطلب في الاقتصاد الصيني… بعد الاعتماد المفرط على الاستثمار المدفوع بالديون.
في عام 2007، بلغت نسبة إجمالي المدخرات الوطنية 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مرتفعة 37 في المئة عن عام 2000. هذه المدخرات عملت على تمويل الاستثمارات المحلية بنسبة 41 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ومن ثم جاءت الأزمة المالية العالمية عام 2011، ووصل إجمالي الاستثمار إلى 48 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي وبقيت المدخرات الوطنية بنسبة 50 في المئة من الناتج.
شهدت السنوات الثلاث الأخيرة تغييراً حيث انخفض الاستثمار بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، على حين ارتفع الاستهلاك في القطاعين العام والخاص بالنسبة نفسها. كنتيجة أصبح الاستهلاك مصدراً مهماً فيما يخص الطلب الإضافي. بحسب ورقة بحثية صادرة عن منتدى التنمية في الصين عام 2017، أسهم الاستهلاك النهائي بنسبة 59 في المئة من نمو الناتج المحلي الإجمالي. وتراجع فيه نمو الاستثمارات، وهنالك استعداد لاستبدال النمو الكمي بالنمو النوعي، مع بوادر تقلص القوة العاملة وتباطؤ معدل الهجرة من الريف إلى المدينة في ظل الاقتصاد المدفوع بالخدمات الذي هو أكثر كثافة في اليد العاملة من الاقتصاد المدفوع بالصناعات الثقيلة.
إذا وفرت الحكومة الصينية شبكة أمان كافية وخدمات صحية وتعليمية أفضل، ستنخفض مدخرات الأسر.
سنشهد دلالات مبكرة على التغيير الضروري في تركيبة الاقتصاد الصيني نحو اقتصاد أكثر اعتماداً على الطلب الاستهلاكي لعدد سكان الصين الضخم.
السياسة الاقتصادية الجيدة يمكن أن تعمل أيضاً على تسريع التحول، من خلال زيادة نقل الأرباح إلى الناس، عبر الملكية أو فرض الضرائب أو الأفضل من ذلك كله، الأمران معاً. يعمل الفائض التجاري لدى الصين على تضخيم اقتصادها في كل عام بالرهان المستمر على التصدير، على حين أن صافي الواردات يقلص من النمو الأميركي. من هذا المنطلق أحد المبادئ الأساسية في الاقتصاد ينص على أن التوازن بين الواردات والصادرات يقابل الاختلاف بين المدخرات القومية والاستثمار. يقول آرثر كرويبر، من وكالة كافيكال دراجونومِكس، وهي مجموعة استشارات مقرها بكين: «إن تركيز الصين سيكون على عزل الولايات المتحدة، لتحول دون دخول الحلفاء مثل الاتحاد الأوروبي واليابان إلى ساحة المعركة، نقطة القوة الرئيسية الأخرى لدى الصين هي اعتماد الشركات الأميركية على سوق الصين المحلية الضخمة. مثل هذا الاعتماد لا يظهر في الدرجة الأولى في أرقام التجارة في السلع، وإنما في الخدمات وكذلك في أرباح الشركات من الفروع المحلية في الصين للشركات الأميركية، مثل «أبل وجنرال موتورز وكاتربيلر».
الشركات الأميركية معرضة لعدد لا يحصى من الصعوبات والإزعاجات عن طريق الإجراءات التنظيمية الصينية.
يقول وليام زاريت، رئيس غرفة التجارة الأميركية الصينية في بكين: «هناك عدد كبير من الطرق التي تستطيع بها الصين إبطاء أو حظر أعمال شركاتكم».
القواعد غير المكتوبة ستتغلب في كثير من الأحيان على أي قواعد إرشادية مكتوبة. مثلاً يمكن أن ترفض السلطات إعطاء شهادة لمنتَجك، أو أن تدقق في بياناتك الضريبية.
ثمة سؤال هل تستطيع شركات أميركا تفادي المأزق الناجم عن الرد الصيني الحازم على حرب ترامب التجارية؟
قال كريج آلين، رئيس المجلس التجاري الأميركي الصيني، خلال زيارة إلى بكين: «الرسوم الجمركية ضريبة تُفرَض على الشعب الأميركي، ولها آثار غير مقصودة ويمكن أن يكون من الصعب التخلص منها. ينبغي علينا ألا نتوجه نحو تجارة تديرها الدولة».
منذ أكثر من عقد من الزمن، حاول المسؤولون في إدارة جورج بوش وباراك أوباما اتخاذ نهج مختلف، من خلال الانخراط مع نظرائهم الصينيين في 13 «حواراً اقتصادياً وإستراتيجياً» بدأت في عام 2006.
بينما كان يسعى الجانبان إلى «محاولة إدارة خلافاتهما»، أخذت الشركات متعددة الجنسيات تشعر بالإحباط بشكل متزايد بسبب العقبات الكثيرة التي تواجهها في الصين، بدءاً من القيود التي تحول دون القدرة على الدخول إلى السوق.
اندفعت إدارة ترامب بشكل متسرع فوق الحد من التهديد بفرض رسوم جمركية إلى فرضها بالفعل. وهذا يتعارض مع واحد من الدروس الأولى التي يتعلمها رجال الأعمال في الصين: إن الطريقة الأسرع لنسف المفاوضات، هي إحراج الطرف المقابل علناً ومن ثم محاصرته في الزاوية وهذا تماماً ما فعله ترامب حيث قامت إدارته بفرض رسوم جمركية على صادرات صينية إضافية تعادل قيمتها 200 مليار دولار، وسيجد الرئيس الصيني بأنه من المستحيل سياسياً التوصل إلى حل وسط.
في الوقت الذي سمح فيه ترامب بتقديم إعانات للزراع الأميركيين الذين علِقوا في مرمى النيران، لن تكون هناك إعانات تذكر من هذا الباب للشركات الأميركية.
يقول شخص آخر من كبار المسؤولين التنفيذيين الأميركيين: «من الناحية العملية يطلب ترامب من الشركات والمستهلكين الأميركيين الشعور بالألم، من أجل إثبات وجهة نظره أمام الصينيين وإنشاء موقف قوة في المفاوضات التجارية. الرسالة التي تأتي من واشنطن تقول: عليكم، أي الشركات، أن تتحلوا بالشجاعة وأن تتعاملوا مع الأمر، على ما هو عليه، فحسب.
المشهد يشير إلى أن الرد الصيني الجاد والحازم على قرارات حرب ترامب التجارية تشير إلى أن الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات وجدت نفسها في وضع حرج إن لم نقل في مأزق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن