من دفتر الوطن

قنبلة بوب مارلي

| حسن م. يوسف

خلال عمري الذي طال أكثر مما ينبغي، أضعت وقتاً طويلاً في القراءة عن بنية وكالة المخابرات المركزية الأميركية وأسلوب عملها وجرائمها التي لا تحصى في مختلف أنحاء العالم، لدرجة أستطيع معها القول إنني أعرف عن المخابرات المركزية الأميركية أكثر مما تعرف عني، إلا أنني، رغم معرفتي بممارساتها الإجرامية التي تؤهل مقرها الذي يقع في مدينة لانغلي بمقاطعة فيرفاكس فيرجينيا على طول نهر بوتوماك، للقبِ بالوعة البشرية. إذ ليست هناك بقعة على سطح الأرض تحاك فيها أعمال شريرة أكثر من ذلك المبنى! رغم كل ما سبق، لم أصدق ما نشرته صحيفة الديلي ستار اللندنية عندما قرأته مترجماً إلى العربية، فذهبت إلى موقع الجريدة على الإنترنت وقرأت المقال بلغته الأصلية! ومع أنني لا أريد أن أسهم في شهرة أسطورة القذارة الأميركية المسماة (سي آي إي CIA)، إلا أن ما كشفه عميل الاستخبارات الأميركية السابق بيل أوكسلي البالغ من العمر 79 عاماً وهو على فراش الموت، من الصعب تجاهله، لما له من دلالات خطيرة!
نشرت جريدة الديلي ستار مقالها بتاريخ 27 آب 2018 تحت عنوان شديد الإثارة: «قنبلة بوب مارلي»: عميل أميركي يعترف على فراش الموت أن وكالة المخابرات المركزية اغتالت نجم الريغي.
فقد كشف عميل الاستخبارات الأميركية السابق بيل أوكسلي البالغ من العمر 79 عاما، وهو على فراش الموت أن الحكومة الأميركية استهدفت بوب مارلي، ونظمت بين عامي 1974 و1985 سبعة عشر عملية اغتيال أخرى لأسباب إيديولوجية.
وبوب مارلي لمن لا يعرفونه هو مغن وموسيقي من جامايكا ارتبط اسمه بموسيقا الريغي، وفي عام 1966 تخلى عن ديانته الكاثوليكية واعتنق العقيدة الراستافارية، وهي ديانة تنظر للإمبراطور هيلا سيلاسي الأول، إمبراطور إثيوبيا السابق، بوصفه تجسيداً للرب، وتطلق عليه اسم جاه (بالإنجليزية: Jah). كما يراه متبعو تلك الديانة كجزء من الثالوث المقدس بوصفه المسيح المذكور في الإنجيل.
وقد اعترف العميل أوكسلي وهو يقاسي سكرات الموت، أنه عمل في الاستخبارات المركزية لمدة 29 عاما، واستعمل مرارا كقاتل محترف، لتصفية أشخاص «يهددون مصالح الولايات المتحدة». كما أعلن أنه «لا يشعر بتأنيب الضمير لأنه لا يشك بتاتا في سلامة أهداف الـCIA».
وروى أوكسلي تفاصيل عملية اغتيال بوب مارلي، إذ استخدم هوية مزورة وانتحل صفة مراسل لصحيفة نيويورك تايمز، ولما وافق مارلي على اللقاء، قدم له حذاء رياضياً من ماركة شهيرة كهدية، وحين أدخل مارلي قدمه اليمنى للتأكد من أن الحذاء مناسب له صرخ متألما بسبب إبرة ملوثة دسها العميل في الحذاء.
انتشر مرض سرطان الجلد «الميلانوما» بسرعة كبيرة في جميع أنحاء جسم مارلي، فتساقطت خصلات شعره الشهيرة، وأصبح نحيفاً بشكل حاد.
وقد أفاد أوكسلي وهو على فراش الموت، أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية كانت قد انتقلت حينها للتو إلى استخدام طرق جديدة للتخلص من التهديدات. وقد «انتشرت في أرجاء الولايات المتحدة موجة من الوفيات الغامضة في صفوف النشطاء ذوي الثقافات المعادية».
المريع في الأمر أن أوكسلي بقي على صلة وثيقة بمارلي، «للتأكد من أن الأمور تجري كما خطط لها»، بل كان يسدي لضحيته النصائح «الطبية» كي لا يفلت من الموت.
السؤال المرعب ما التهديد الذي يشكله الفنان بوب مارلي لأميركا كي تغتاله بهذا الشكل القذر؟ هل لأنه صرخ يوماً عبر إحدى أغانيه: «حرر نفسك من العبودية الفكرية؟».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن