قضايا وآراء

الحديث عن الدستور!

| مازن بلال

بغض النظر عن صحة الوثيقة المسربة لإعلان مبادئ «المجموعة المصغرة من أجل سورية»، فإن السياق العام لهذه الوثيقة ليس غريباً لأنه لا يحدد فقط ما يجب تحديده في الدستور السوري، بل يشكل أيضاً التوجه السياسي القادم الذي يبدو بعيداً جداً من التوازن الإقليمي والداخلي الذي أنتجته الأزمة السورية، فابتداء من الحديث عن إيران وانتهاء بوضع سورية تحت وصاية دولية كاملة؛ تظهر إستراتيجية خاصة تعتبر أن المساحة السورية قابلة للتشكيل وفق الاحتياج الدولي.
عملياً فإن اجتماعات جنيف بشأن الدستور السوري هي الأخطر من زاوية أساسية، فهي تتبنى مسألة «النيابة» عن السوريين ما داموا غير قادرين على خلق توافق فيما بينهم، وهي تستند إلى سلسلة طويلة من لقاءات التفاوض وغيرها من المبادرات التي أسست لمنهجية تعتمد على أخذ المبادرة من السوريين ووضعها على طاولة التفاوض للدول المؤثرة أو الفاعلة أو «مجموعات العمل المصغرة»، وغيرها من التسميات.
تظهر المفارقة في عمل المجموعات الدولية عندما تكون الوثائق غير متسقة مع المسار الداخلي القائم، فالمسألة هنا ليست في «الانتصارات العسكرية» إنما في حركة الحياة للسوريين وفي أصغر جدل قائم بينهم حول التفاصيل اليومية، فالعناوين العريضة التي تطرحها الوثائق المقدمة لا تنعكس على أصغر هموم المجتمع، فأزمته الحقيقية تبدو في مكان آخر خارج كل ما هو سياسي معلن على المستوى الدولي، أو حتى على مستوى القوى والمبادرات التي تريد «اختطاف» التمثيل من فئات المجتمع كافة.
بالتأكيد هناك ما يبرر السلوك الدولي تجاه المجتمع السوري، فالمشهد منذ قرابة ثماني السنوات يوضح أن التعبير الحقيقي عن الأزمة السورية لم يتضح إلا ضمن سيناريوهات جانبية منقولة إعلامياً، وتقدم صورة عن انقسامات عميقة وعدم القدرة على إيجاد قاعدة مشتركة، ومع عدم إنكار الانقسام الموجود لكنه في المقابل لم يظهر نتيجة فقدان التوازن الداخلي، والاستثمار فيه كان واضحاً للوصول لتوازنات أكبر من الشأن الداخلي السوري، ومن الممكن هنا ملاحظة مسألتين:
– لم تترك قاعدة التوافق السورية لتتفاعل مع الحدث الداخلي سواء في بداية الحدث أم في ذروته العسكرية، وعندما نتحدث عن قاعدة التوافق فنحن نذهب نحو العمق وباتجاه المكونات الاجتماعية الأكثر صلابة، وكان واضحاً أن المسألة كانت فقط متعلقة في «التمثيل السياسي» وغايتها سحب الشرعية عن السلطة القائمة.
بدت جميع المحاولات منذ 2011 باتجاه التحشيد السياسي وتجاهل المجتمعات المحلية التي دفعت الثمن الأكبر لما حدث، ويتم اليوم تجاهل الأمر والتعامل مع حل الأزمة وكأنه مجرد قرارات دولية يجب تنفيذها، فرهان القوى السياسية الداخلية يقوم فقط على التسلح بهذه القرارات وبقدرة بعض الدول الكبرى على فرضها، وهذا الأمر سيتحول إلى «استبداد دولي» تجاه المجتمع السوري بدلاً من ترك الحرية له كي يقرأ تجربته، ويبني تصوراته حول مستقبله.
– المسألة الثانية متعلقة بالاستقطاب، فالقوة السياسية ليست مستقطبة فقط على المستوى الدولي، بل تحاول أيضاً تجاهل واجباتها في مسألة التعامل مع البرامج السياسية وضرورة تقديم رؤيتها بخصوص أي تحول، وتستبدل هذا الأمر بالتحصن بالقرارات الدولية.
سنوات الأزمة تحتاج إلى تبديل الموقع الحالي من جهد سياسي يسعى للدخول في التوازنات الدولية، إلى موقع يبحث في التوازن للمجتمع السوري، ولاستثمار كل ما هو محلي قبل الصعود بشكل مباشر نحو الشعارات السياسية المطروحة دولياً، فالقرارات الأممية هي توافق دولي وليس بالضرورة أن تنعكس إيجاباً على المجتمع السوري، وهي تحتاج إلى قراءة وفق مصالح هذا المجتمع بمحليته وبمساحته الكلية أيضاً، لأنه هو من سيدفع في النهاية ثمن تطبيقها على سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن