قضايا وآراء

أردوغان وترامب ولعبة الغموض

| تحسين الحلبي

كشف الكاتب السياسي الإسرائيلي غيدعون يسرائيل قبل أسبوعين في مجلة «ميدا» للتحليل السياسي أن إسرائيل ستجد لنفسها «فرصة مفيدة من الأزمة المتوترة بين واشنطن وأردوغان فقد تقدم لواشنطن عرضاً بديلاً عما كانت تقدمه أنقرة للولايات المتحدة»، ويذكر أن قاعدة «أنجرليك» العسكرية التركية التي تستخدمها القوات الجوية الأميركية منذ الخمسينيات في مختلف حروبها في أفغانستان وغير أفغانستان أصبحت تتعرض الآن لاحتمال تقليل وزارة الدفاع الأميركية لأهميتها، وهذا ما صرح به الجنرال المتقاعد من الجيش الأميركي تشارلز وورد في عام 2016 حين طالب بأن تبدأ واشنطن بإعداد نفسها لإمكانية عدم استخدام هذه القاعدة التركية لأن أردوغان مثير للمتاعب في علاقاته مع واشنطن.
وأشار الجنرال وورد إلى أن واشنطن تستطيع أن تجد بديلاً عن هذه القاعدة التركية عن طريق توسيع قواعدها في الأردن وقبرص، ويرى غيدعون يسرائيل أن وزارة الدفاع الأميركية قررت منذ آذار الماضي إجراء تخفيض في الوجود العسكري الأميركي في تركيا إضافة إلى قرارها بنقل سرب الطائرات الحربية أ-10 إلى أفغانستان بدلاً من وجودها في تركيا.
ويضيف يسرائيل: إن الرئيس الأميركي دونالد ترامب خصص 143 مليون دولار لتحديث موقع «الأزرق» الذي تستخدم جزءاً منه وحدات عسكرية ألمانية من عام 2017 حين رفضت أنقرة السماح لأعضاء برلمان من ألمانيا بزيارة قاعدة أنجرليك، وبالمقابل يكشف الكاتب الإسرائيلي أن تقريراً نشر في عام 2016 في واشنطن حول استخدام الأراضي الإسرائيلية من قبل الجيش الأميركي أو سلاح الجو على وجه الخصوص بدلاً من الأراضي التركية بعد احتمالات تصاعد الأزمة بين أنقرة وواشنطن، فإسرائيل لا يمكنها رفض أي طلب أميركي من هذا النوع لكنها قد تستوعب مثل هذا الطلب بطرق تختلف عن الطرق التي انتهجتها واشنطن في تركيا وبعض القواعد الأميركية المنتشرة في الدول العربية، فإسرائيل ستحاول الاستفادة من مثل هذا الوجود العسكري الأميركي للحصول على المزيد من الأسلحة الأكثر تطوراً فوق أراضيها. ولذلك ترى بعض التقارير الإسرائيلية أنه حتى لو عادت العلاقات التركية الأميركية إلى متانتها السابقة فإسرائيل ستكون قد استفادت كثيراً طالماً أن موسكو لن تتوقف عن إرسال أسلحة متطورة لحليفيها السوري والإيراني.
ترى وسائل إعلام أميركية وخصوصاً صحيفة «واشنطن بوست» أن أردوغان يحاول التوافق مع النجم الروسي الصاعد على المستوى الإقليمي والدولي فهو يرى أن أعداء موسكو التاريخيين مثل اليابان وتركيا وألمانيا، أصبحوا قابلين للتوافق على مصالحات وتسويات تخرجهم من إطار الاستخدام الأميركي العسكري ضد روسيا وحلفائها وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعد الآن مصالحة إستراتيجية مع جارته اليابان لأول مرة وهي التي تعد قاعدة عسكرية للولايات المتحدة وأن تركيا قد تجد نفسها مجبرة على تغيير سياستها تجاه روسيا بعد أن خسرت أوراقاً كثيرة في أوروبا والساحة الأميركية في عهد ترامب، وفي الأسبوع الماضي ذكر المحلل السياسي الأميركي توماس فرانك تحت عنوان: «تزايد الشكوك الأميركية حول مستقبل العلاقات التركية الأميركية» أن رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأميركي ريتشارد هاس صرح بأنه على «الولايات المتحدة التسليم بحقيقة أن تركيا في عهد أردوغان لن تكون شريكاً للإدارة الأميركية».
ودعا هاس إلى البحث عن بديل للقواعد الأميركية في تركيا وانضم المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية نيكولاس بيرنز وقال هو الآخر: إن «واشنطن لم يعد في مقدورها الاعتماد على أردوغان في أي أزمة تواجهها في المنطقة وهذا ما يستدعي وضع خطط بديلة».
لكن الاثنين طلبا من إدارة ترامب الإبقاء على كل أشكال العلاقات الموجودة بين واشنطن وأنقرة بانتظار تطورات قد يستفيد منها الطرفان، ولذلك تدل تجربة دول المنطقة في التعامل مع أردوغان على أنه قابل لمفاجأة دول كثيرة باتباع سياسة غير مألوفة تجاه هذه الدولة أو تلك وهذا يعني أنه قد يفاجئ الرئيس الروسي بوتين بما لم يتوقعه منه وربما يفاجئ ترامب أيضاً بما لا يتوقعه منه فهو متقلب ولا يهتم إلا ببقائه «سلطاناً» حتى لو كان ذلك على حساب وعود سبق له عدم احترامها تجاه الكثيرين.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن