قضايا وآراء

الأمن القومي العربي

| نبيل الملاح

أكتب هذا المقال، وأنا مدرك أن الكثير سيعتبر ما أقوله في غير زمانه ومكانه وخارج السياق، لكن واقع الحال في جميع الدول العربية والهجمة الشرسة التي يتعرض لها العرب، وتصدع النظام العالمي وانهياره، وخاصة بعد مجيء الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يجعلني مؤمناً أكثر من أي وقت مضى بأن وجود الأمة العربية ومستقبلها مرتبط بتحقيق المشروع القومي العربي.
بداية علينا أن ندرك أن المشكلة ليست مع ترامب كما يظن البعض، وإنما مع أميركا بكل مكوناتها الرسمية والشعبية إلى حد كبير، فالكل ينظر إلى الدول العربية من خلال إسرائيل وأمنها ومصالحها مع وجود بعض التباينات في أداء الإدارات الأميركية بين رئيس وآخر، فلقد كان رؤساء الولايات المتحدة الأميركية في القرن الماضي يحافظون على مصالح أميركا، أولاً، ومن ثم مصالح إسرائيل، ومع وصول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى البيت الأبيض، الذي كان وصوله كأول رئيس أسود مستغرباً، أدى إلى تغيير المعادلة لتصبح مصالح إسرائيل وتوجهات الصهيونية العالمية تتقدم على مصالح أميركا وواجباتها كدولة عظمى، وتكرست هذه المعادلة مع وصول الرئيس ترامب الذي كان وصوله أيضاً مستغرباً ومستهجناً، فهو أول رجل أعمال يتولى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية خلافاً لما كان عليه حال جميع رؤساء أميركا، وهذا ما جعل البعض يقول إن أوباما ومن بعده ترامب وصلا إلى البيت الأبيض بتخطيط ودعم من الصهيونية العالمية، وأنا أعتقد ذلك، ليسهما في تسريع تحقيق مشروعها الذي يهدف إلى السيطرة على العالم كله، وواقع الحال اليوم ينبئ بأن المشروع الصهيوني يتقدم بتسارع، واستطاع خلق نزاعات وصراعات في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، فشلت منظمة الأمم المتحدة في حلها واكتفت بالمشاركة في إدارتها من خلال مبعوثين لا حول ولا قوة لهم يتحركون وفق أجندات خاصة لا تمت بصلة إلى مصالح الدول المأزومة.
لقد كان فشل منظمة الأمم المتحدة في تطبيق القرارات الصادرة عنها المتعلقة بالقضية الفلسطينية، له الأثر الكبير فيما وصلت إليه هذه المنظمة من ضعف وتراخ، وهذا ما يوجب صياغة نظام عالمي جديد، أعتقد أنه لن يتحقق إلا بصدمة كبرى قد تكون حرباً عالمية.
سبق أن كتبت مقالاً ناشدت فيه قادة الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن بضرورة المعالجة الفورية لأزمات العالم وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، ومنع تقسيم دولها، وصياغة نظام عالمي جديد يحقق التوازن والعدل والتكامل بعيداً من أحلام الهيمنة والسيطرة، ودعوت أصحاب المشاريع التي تسعى إلى السيطرة والهيمنة، وعلى رأسها المشروع الصهيوني، أن يعيدوا حساباتهم ويعودوا إلى رشدهم ويعوا أن هذه المشاريع ستؤدي في النهاية إلى صراعات دينية وطائفية وعرقية تصعب السيطرة عليها وستصل بالعالم كله إلى حرب واسعة مدمرة لا أحد يستطيع تحديد مداها ونتائجها.
كان العرب الضحية الأكبر في هذا العالم المختل المتصدع، وبقوا غارقين في جهلهم وتخلفهم، وتخلوا عن مشروعهم القومي الذي كان وما زال الطريق الوحيد لمواجهة المشروع الصهيوني وتحقيق الأمن القومي العربي والأمن الوطني للدول العربية الذي أصبح اليوم في خطر كبير.
إن عالم اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، وفي ظل الهيمنة الصهيونية، يوجب على العرب إحياء مشروعهم القومي والدعوة إلى اتحاد عربي في عالم لا يقيم اعتباراً للكيانات الصغيرة والضعيفة.
أذكر بأن المشروع القومي العربي لا يلغي الكيان الوطني، ولا يتعارض مع مبدأ المواطن وحقوق القوميات والأعراق المختلفة الذين يؤمنون بأن سورية وطنهم، وأن قوة سورية في انتمائها للكيان العربي، وهذا ما يؤمن به كثير من أكراد سورية الذين أعرفهم، وأتمنى أن يعي الجميع أن مصلحتهم في ذلك.
ما زلت أتذكر ما قاله الباحث والخبير الإستراتيجي اللواء عز الدين إدريس رحمه الله في عام 2011: علينا إعلان الحرب على إسرائيل لمواجهة المخطط التآمري الذي يهدف إلى زعزعة أمن سورية ووحدتها واستنزاف طاقاتها.
أعود وأقول إنني مدرك أن الكثير سيقولون إن ما أطالب به وأدعو إليه هو «الحلم المستحيل» وأجيبهم: إن الأمن القومي العربي ووجود العرب ومصيرهم، يجعل هذا المشروع «مشروع الضرورة» ولا بد أن يتحقق في يوم من الأيام.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن