من دفتر الوطن

مظاهر مؤذية!

| عصام داري

نتذكر أن بعض صحف الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين الماضي كانت تخصص زاوية صغيرة في صفحاتها الأولى تحت عنوان: «مظاهر مؤذية» تتناول السلبيات الاجتماعية والخدمية وغيرها بأسلوب كوميدي ساخر وقاسٍ.
وما أحوج صحافتنا اليوم إلى مثل هذه الزوايا و«الوخزات» لتنبيه من يجب أن يصحو من سباته القاتل، وقد استشرت «المظاهر المؤذية» وامتدت على مساحة الوطن.
وأنا اليوم سأنصّب نفسي موثقاً لبعض تلك المظاهر المؤذية، فربما يقرأ ويسمع من له علاقة بالأمر ويسارع إلى معالجته وإنهاء تلك المظاهر، وأغلب الظن أن كلامي سيذهب أدراج الرياح لأن الطرش المزمن أصاب أصحاب القرار!
المهم تصور يا رعاك اللـه أن الفلاحين يبذرون القمح ويحصدونه ويرسلونه إلى المطاحن فتطحنه وتعبئه في أكياس ترسله إلى الأفران فيضاف إليه الخميرة والملح والماء ويعجن ويخبز في أفران تعمل على المازوت – المازوت غالي الثمن كما تعرف – ومن ثم يعبأ في أكياس نايلون ويقدم للمواطن بسعر خمسين ليرة سورية فقط لا غير!
قاطعت صديقي غاضباً: وبعدين؟.. أعرف كل هذه التفصيلات من ألفها إلى يائها، فلماذا تفسر ما هو مفسر؟
أجابني: كل الجهد المبذول لإنتاج رغيف الخبز ينتهي إلى أطفال ونساء يأخذون الربطات بتواطؤ من بعض ضعاف النفوس ويبيعون الربطة بمئة ليرة، أي بضعف السعر الأساسي، بمعنى: إن كل العملية من الحقل إلى كوة البيع تكلف الدولة خمسين ليرة، على حين يأخذ هذا الطفل أو ذاك خمسين ليرة ربحاً مقابل نقل الربطة عدة أمتار وحسب!
نعم، كل الحق مع صديقي، لكن هناك من هو أكثر متاجرة برغيف الخبز، فمن يبيع الطحين المخصص للأفران، وكذلك المازوت في السوق السوداء ويربح عشرات الأضعاف، يحرم المواطن من الرغيف، ويقلل من وزن الربطة الأمر الذي ينعكس على كل المواطنين.
أعرف أنني أتحدث عن فاسدين صغار، لكن الفاسد الصغير يماثل الفاسد الكبير فكلاهما يتاجر بلقمة عيش المواطن، ويوجه طعنات إلى ظهر الوطن.
وما دمنا في الحديث عن الأطفال، بائعي الخبز، نسأل عن عمالة الأطفال بشكل عام، هل هناك من يعمل على الحد من هذه الظاهرة، وهل وضعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل أي برنامج أو خطة لمعالجتها، والحد بشكل خاص من انتشار الأطفال عند شارات المرور وأمام بعض المناطق المزدحمة بغرض «مسح السيارات» والتسول ؟
فما معنى أن تعمل محطات الوقود على عدم الالتزام بالعدادات فلا تعطي المواطن كامل الكمية التي طلبها، إن كان من مادة البنزين للسيارات، ويحتفظ عامل المحطة بخمسين ليرة على الأقل مهما كانت الكمية التي يحصل عليها المواطن ؟
هل تستطيعون تصور العائد الشهري الذي يحصل عليه عامل محطة الوقود؟ أظن أنه يوازي ثلاثة أضعاف الراتب الشهري لموظف من الدرجة الأولى!
من المظاهر المؤذية أن يطلب منك الموظف الحكومي مبلغاً من المال لقاء تسريع معاملتك، أو أن يشتكي هذا الموظف من الغلاء ليسحب العطف من قلبك والنقود من جيبك!
اليوم تكلمت عن مظاهر الفساد في درجاته الدنيا، أما الفساد في درجاته العليا –والعياذ بالله – فلا أجرؤ على الاقتراب منه لأنني أحب حريتي ولا أريد تعريض نفسي للمهالك، والله الحامي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن