قضايا وآراء

صراعات القوى السياسية العراقية في اختيار الرئاسات الثلاث

| أحمد ضيف اللـه

أصبح تقاسم المناصب الرئاسية الثلاثة في العراق عرفاً متبعاً بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وسقوط نظام صدام حسين عام 2003، فرئاسة الجمهورية للأكراد، ورئاسة المجلس النيابي للسنّة، ورئاسة مجلس الوزراء للشيعة. فبعد الانتخابات النيابية لعام 2005، تسلم الراحل جلال الطالباني «كردي» منصب رئيس الجمهورية، وحاجم الحسني «سنّي» رئاسة الجمعية الوطنية «المجلس النيابي حالياً»، وإبراهيم الجعفري «شيعي» رئاسة الحكومة. ولا تزال هذه المحاصصة عُرفاً معمولاً به حتى اليوم في تقاسم الرئاسات الثلاث في العراق، رغم أن الدستور العراقي الذي كُتب خلال مرحلة الاحتلال الأميركي للعراق لم يُثبت أي تقسيمات طائفية في مناصب الدولة.
الانتخابات النيابية التي جرت في الـ12 من أيار الماضي، أدت تداعياتها إلى تفكك تلك المكونات الطائفية، وفي محطات عدة تناحرها، حيث شككت بعض الأطراف المشاركة بها، وخاصة تلك التي خسرت الانتخابات بنزاهتها وتزوير نتائجها، حتى بعد أن أعلن مجلس المفوضين، من القضاة المنتدبين إلى المفوضية العليا للانتخابات في العراق في بيان له في الـ9 من آب الماضي، تطابق نتائج العدّين الإلكتروني واليدوي بنسبة 100 بالمئة، في «13» محافظة من أصل «18» عدد المحافظات العراقية، وانحصار التغييرات الجزئية في «5» محافظات: «الأنبار، صلاح الدين، ذي قار، ونينوى، بغداد» ضمن القائمة نفسها، باستثناء بغداد التي شهدت تحول مقعد واحد من قائمة «تحالف بغداد» إلى قائمة «تحالف الفتح» الممثل للحشد الشعبي برئاسة هادي العامري.
لقد تسببت الخلافات والفوضى المفتعلة بشأن تعريف الكتلة النيابية الأكبر، التي يحق لها تسمية رئيس الوزراء المقبل، في الجلسة الأولى للمجلس النيابي العراقي بدورته الرابعة التي عقدت في الـ3 من أيلول الحالي، بانسحاب عدد من النواب من قاعة المجلس، ما أدى إلى اختلال النصاب القانوني للجلسة واضطرار رئيس السن في المجلس إلى تأجيل استمرار الجلسة إلى اليوم التالي، ومن ثم تأجيلها إلى 15 من أيلول الجاري. ويتمحور الخلاف بين التكتلين الشيعيين الكبيرين بشأن الكتلة النيابية الأكبر، إن تحالف «البناء» المكون من تحالف الفتح برئاسة هادي العامري وائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي وحلفائهما اعتمد تواقيع النواب الشخصية في الانضمام إلى تحالفهم أساساً للعد، فيما اعتمد تحالف «الإصلاح والإعمار» المكون من تحالف «سائرون» المدعوم من مقتدى الصدر وتحالف النصر برئاسة حيدر العبادي وحلفائهما تواقيع رؤساء الكتل عن ائتلافاتهم أساساً للعد، وسط تشكيك كل تحالف بصحة تواقيع وعدد النواب لدى كل طرف.
ووسط احتدام هذا الخلاف، تفكك تحالف القوى السنيّة الذي أعلن في الـ14 من آب الماضي، تحت مسمى تحالف «المحور الوطني» والمكون من 6 كيانات تمثل: خميس الخنجر رئيس «المشروع العربي في العراق» وأسامة النجيفي رئيس تحالف «للعراق متحدون» وجمال الكربولي رئيس «حزب الحل» وسليم الجبوري رئيس ائتلاف «ديالى هويتنا» وأحمد الجبوري محافظ صلاح الدين وفلاح حسن الزيدان وزير الزراعة السابق، على خلفية صراع كل طرف على منصب رئاسة المجلس النيابي. وتصاعد الخلاف مع انسحاب نواب المشروع العربي في العراق الـ«10» في الـ7 من أيلول الحالي من «تحالف القرار» الذي كان يرأسه أسامه النجيفي المكون أساساً من «16» نائباً. ومع استئناف مجلس النواب جلسته في الـ15 من الشهر الجاري ترشح لمنصب رئيس المجلس النيابي، كل من: محمد الحلبوسي عن كتلة «الحل» الذي حصل على «169» صوتاً، من أصل أصوات «298» نائباً حضروا الجلسة، فيما حصل خالد العبيدي «سنّي» من تحالف النصر برئاسة حيدر العبادي على «89» صوتاً، وحصل أسامة النجيفي من تحالف «القرار» على «19» صوتاً، ومحمد الخالدي رئيس كتلة «بيارق الخير» على «4» أصوات، فيما حصل كل من النائبين رعد الدهلكي عن «الجبهة العراقية للحوار الوطني» وطلال الزوبعي عن تحالف «الوطنية» على صوت واحد. وسحب كل من أحمد الجبوري عن تحالف «القرار»، ومحمد تميم عن «الجبهة العراقية للحوار الوطني» ترشيحهما، قبل بدء عملية الاقتراع.
لقد عكس عدد المرشحين الثمانية لمنصب رئاسة المجلس النيابي مدى الاختلاف والصراع داخل البيت السنّي، وتمسك كل كتلة فيه بمرشحها لشغل المنصب، الذي وصل إلى حد الاتهام بأن مساومات وشراء ذمم ودفع أموال ضخمة للفوز بمنصب رئيس مجلس النواب، تجاوز الـ«30» مليون دولار.
ومع تجاوز عقبة رئاسة المجلس النيابي، برزت عقبة جديدة، وهي انتخاب رئيس جمهورية العراق من المكون الكردي، وسط تصارع الحزبين الرئيسيين على موقع الرئاسة. فخلال السنوات الماضية لم يواجه الأكراد هكذا عقبة، حيث ساد عُرف بين الحزبين وفقاً للاتفاقية الاستراتيجية الموقعة بينهما عام 2007، أن يكون منصب رئاسة إقليم كردستان للحزب الديمقراطي الكردستاني الذي شغله مسعود بارزاني منذ عام 2005، بمقابل أن يكون منصب رئاسة جمهورية العراق لحزب الاتحاد الوطني الذي شغله الراحل جلال الطالباني خلال الفترة «2005 – 2014»، ومن ثم خلفه الرئيس الحالي فؤاد معصوم.
وبإعلان حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في الـ19 من كانون الثاني 2016، أن «الاتفاق الاستراتيجي مع الحزب الديموقراطي الكردستاني قد انتهى»، ومن ثم إلغاء منصب رئاسة إقليم كردستان إثر تداعيات فشل الاستفتاء على انفصال الإقليم عن العراق في الـ25 من أيلول 2017. اختل هذا العُرف، حيث أصبح الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود بارزاني يرى أن موقع رئاسة جمهورية العراق بات من حصته، وفقاً للاستحقاق الانتخابي الأخير الذي حصل فيه على «25 مقعداً» في المجلس النيابي الحالي مقابل «20 مقعداً» للاتحاد الوطني الكردستاني. وقد فشل الحزبان في التوصل إلى أي اتفاق على تقاسم المناصب الاتحادية، ما دفع كلاً منهما إلى طرح مرشحه لشغل منصب رئيس الجمهورية.
وفي ذات الوقت، برزت إلى العلن خلافات جدية داخل مراكز القوى في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني بشأن المنصب، إذ ما إن أعلن المجلس المركزي للحزب في الـ4 من آب الماضي ترشيح محمد صابر إسماعيل رسمياً لمنصب رئيس جمهورية العراق، حتى أعلن قياديون آخرون رفضهم ذلك، مبقين على اسم الرئيس الحالي فؤاد معصوم مرشحاً أساسياً للمنصب، إلا أن هذا الخلاف قد حسم خلال اجتماع قيادة الحزب في الـ19 من الشهر الجاري، بترشيح برهم صالح النائب الثاني للأمين العام لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، بحصوله على «26» صوتاً من أصل «40» صوتاً، بعد تدخلات بريت ماركغورك مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون التحالف الدولي في العراق الذي دفع باتجاه ذلك خلال لقائه قيادات الحزب في السليمانية في الـ17 من أيلول الحالي. وبرهم صالح يتمتع بعلاقات كردية، عراقية، إقليمية ودولية جيدة وواسعة، إضافة إلى علاقات مميزة مع الأميركيين، وقد سبق أن شغل منصب نائب رئيس وزراء الحكومة الاتحادية ورئيس حكومة إقليم كردستان، كما أسس الجامعة الأميركية في السليمانية التي يشغل منصب رئيس مجلس أمنائها الآن، وهو مقبول عموماً من قبل أغلب القوى السياسية العراقية.
إن قرار عودة برهم صالح إلى صفوف الاتحاد الوطني بعد أن استقال منه في الـ17 من أيلول 2017، تسبب في انقسام حزبه «التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة» الذي أسسه، حيث رفضت غالبية قياداته قرار العودة، متهمين إياه بأنه غدر بهم واستغلهم كورقة ضغط للحصول على منصب رئيس الجمهورية. كما أعلن المتحدث باسم الحزب الديمقراطي الكردستاني محمود محمد في تصريح له في الـ19 من الشهر الجاري، أن «حزبنا سيكون له مرشحه.. كنا نأمل ونسعى للذهاب بوحدة صف وبرنامج موحد إلى بغداد.. إلا أننا لم نتلقّ أي رد، حتى سمعنا اليوم إعلانهم ترشيح برهم صالح من طرف واحد»، مؤكداً «أننا نرى أن منصب رئاسة الجمهورية هو من حق حزبنا هذه المرة».
ومع أن المجلس النيابي قد حدد يوم الـ25 من الشهر الجاري موعداً لفتح باب الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، واستعداد شخصيات كردية عدة، مستقلة وحزبية، لتقديم ترشيحها لشغل المنصب، إلا أنه من المتوقع تأجيل حسم الموضوع إلى ما بعد الـ30 من الشهر الجاري، وهو موعد انتخابات برلمان إقليم كردستان، لمعرفة حجم القوى الفائزة، والذي وفقه ستجري صفقات توزيع المناصب داخل الإقليم وخارجه، من بينها منصبا رئاسة جمهورية العراق ومحافظ كركوك.
لقد أشر نجاح محمد الحلبوسي في حصوله على منصب رئاسة المجلس النيابي إلى أن الكتلة النيابية الأكبر هي تحالف «البناء» كونها تبنت دعم الحلبوسي في مواجهة النائب خالد العبيدي المدعوم من تحالف «الإصلاح والإعمار». ما يعني أن المحور الرافض للتدخلات الأميركية قد كسب الجولة، خاصة مع الإعلان عن توافق هذين التحالفين بشأن مواصفات شخصية رئيس الوزراء المقبل، متجاوزين الخلاف بشأن الكتلة النيابية الأكبر، ومقتربين أكثر من حل المعضلة المقبلة وهي تسمية رئيس الوزراء الجديد وطاقمه الوزاري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن