قضايا وآراء

حرب واشنطن الاقتصادية

| تحسين الحلبي

يبدو أن الحرب التي يشنها المحافظون الجدد الذين يتحكمون بقرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخذت تحمل شكل «الحرب الاقتصادية» و«حرب العقوبات على روسيا وكل من يتعامل مع من تشملهم هذه العقوبات» بموجب المادة 231 من قانون «Caatsa» الصادر في شهر آب عام 2017، الذي يفرض على السلطات الأميركية معاقبة كل من تحظر واشنطن العلاقة معه سواء في الصفقات الاقتصادية أم المعلومات أو قطاع الدفاع الروسي، وقام الرئيس ترامب بالتوقيع في 20 أيلول الجاري على مرسوم يقضي بتنفيذ عقوبات إضافية بموجب قانون «Caatsa» بتجميد ملكية أو عقارات الأشخاص المرتبطين بالسلطات الروسية ومنع أي صفقات مالية معهم! وقد أطلق على قانون «Caatsa» اسم «مجابهة أعداء أميركا عن طريق العقوبات».
العلاقات المتأزمة بين واشنطن وموسكو بدأت تتصاعد بشكل لافت وتتوسع في تأزمها بين واشنطن وبكين، وكأن إدارة ترامب تسعى إلى عزل الدولتين العظميين عن المحافظة على قدراتهما الاقتصادية والسياسية، ومنع تعزيز علاقاتهما وخصوصاً روسيا في هذه المرحلة مع دول ومكونات اقتصادية وسياسية أخرى في العالم، فكل عقوبة صدرت على هيئة أو شخصية روسية أصبحت ذات صلاحية على كل من يتعامل مع هذه الهيئة أو الشخصية بموجب قانون «Caatsa»، وهذا ما يشكل عودة متصاعدة «لحرب باردة جديدة» هدفها الأميركي هو ترسيخ القوة العظمى الأميركية كقوة «قطب أحادي» على مختلف المستويات الاقتصادية والتحالفية والسياسية كبديل عن التهديد بمواجهة عسكرية، أي استنزاف القوتين العظميين الروسية والصينية في مجال الاقتصاد وعلاقات التعاون المشترك وفرض هذا الاستنزاف بشكل أكبر على الدول والمكونات التي تتحالف معهما، وبالمقابل أصبح من الطبيعي أن تتخذ موسكو سياسة دفاع متصاعد ضد كل أشكال هذه الحرب، فقد نشرت المجلة الإلكترونية «فورت- روس» في 29 آب الماضي تحليلاً بعنوان: «بوتين يسعى إلى هزيمة دكتاتورية الدولار الأميركي بوساطة الذهب فهل أصبحت الحرب في الأفق المنظور»؟
وهذا الهدف الروسي أكدته أكبر مجلة ألمانية هي: «دي فيلت» حين ذكرت أن «القيادة الروسية لا تتوقع في المستقبل القريب تحسناً في العلاقات مع الغرب» لكن ذلك لا يعني في الوقت نفسه أن الصدام المسلح بين قوى كبرى أصبح هو الحل المقبل، رغم أن مجلة «ديفينس نيوز» الأميركية المتخصصة بالشؤون العسكرية والحروب كانت قد ذكرت في 30 كانون الثاني 2018 أن وزارة الدفاع الأميركية بدأت «تستعد للتخطيط لحرب ضد الصين وروسيا»، وتساءلت المجلة «هل يمكن لواشنطن مواجهة القوتين الروسية والصينية»؟
إذا كانت مثل هذه الخطط موجودة سلفاً إلا أن لجوء واشنطن للحرب الاقتصادية وحرب العقوبات على الدولتين ومن يتعامل معهما ربما يعني أن إدارة ترامب تحاول الآن تضييق الخناق على مصادر قدراتهما ومحاصرة قدرتهما على التوسع تمهيداً لفرض الشروط الأميركية عليهما أو مجابهة حرب في توقيت لا يتناسب مع وضعهما إذا ما حققت الحرب الاقتصادية نتائجها ضدهما.
ترى معظم مراكز الأبحاث الاقتصادية أن واشنطن لا يمكنها تحقيق النجاح الذي تريده ضد روسيا والصين عن طريق حربها الاقتصادية، وفي أسوأ الاحتمالات ترى مجلة «فوربز» المالية الشهيرة أن كل الأطراف سيلحق بهم الضرر في هذه الحرب الاقتصادية من واشنطن إلى موسكو وبكين وعواصم أوروبية، هذا إذا لم تنتصر موسكو وبكين وحلفاؤهما في ساحة الحرب الاقتصادية.
وبالمقابل نشر الموقع الإلكتروني «سي إن بي سي» الأميركي تقريراً لمركز «راند» للأبحاث الإستراتيجية الأميركي الذي يرأسه «بيرجينسكي» في 9 كانون الأول 2017 جاء فيه أن «الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر في أي حرب مقبلة أمام روسيا أو الصين»، ويحذر من تقليل شأن هذا الاستنتاج، ويستند إلى عدد من المعلومات التي يرى من خلالها أن «القوة العسكرية الأميركية التي تتفوق بنفقاتها على أعدائها من الدول الكبرى تحتاج أن يكون أداؤها أفضل، وأن القدرات الروسية والصينية قد حققت تقدماً كبيراً تتمكن من خلاله في أوضاع معينة تجاوز القدرة العسكرية الأميركية وأن أميركا تواجه تهديداً من الصواريخ النووية الكورية الديمقراطية، وهذا يتطلب من واشنطن وحلفائها في آسيا أجوبة مطمئنة غير موجودة»، والمقصود اليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول شرق آسيا التي تمكنت الصين من تحييد عدد منها قبل أسبوع.
ومع ذلك قد تكون المعطيات الروسية والصينية أكثر إقناعاً من «راند» بتغيير ميزان القوى العالمي في هذه الظروف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن