قضايا وآراء

تعاطٍ روسي جديد في الشرق الأوسط

| مازن جبور

عناوين بارزة ظهرت خلال الأيام الفائتة، لا بد أن لها أسبابها ومنعكساتها التي ستؤثر بشكل مباشر في مصير الأزمة السورية ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، فمن اتفاق سوتشي حول إدلب، إلى إسقاط الطائرة الروسية، واستهداف إيران بعمليات إرهابية، ومن ثم تزويد الدولة السورية بمنظومة S300 الروسية للدفاع الجوي، كلها أحداث من النوع المفصلي التي ستدفع دول المنطقة والفاعلين الدوليين فيها إلى أن تتهيأ وتعيد ترتيب أولوياتها وفق هذه المعطيات.
إن اتفاق سوتشي حول إدلب، ليس بالاتفاق المحلي، بل هو اتفاق إستراتيجي دولي له أبعاده على مستوى النظام الدولي برمته، إذ قدّم حلاً غير عسكري للقضية الأعقد على الساحة الدولية -قضية إدلب- الأمر الذي قدم روسيا بمنظور جديد، وأزاح واشنطن عن واجهة العمل السياسي الدولي، وأكد أن موسكو لا تفكر ضمن مستوى دولة كبرى، وإنما بدأت تأخذ من خلال دورها في الأزمة السورية، مكانة دولة عظمى، الأمر الذي يمكن عده تعبيراً عن مرحلة جديدة من مراحل تطور العلاقات الدولية لها سماتها وخصائصها المميزة، باعتبار أن الاتفاق تم بين فاعلين دوليين رئيسين اثنين -روسيا وتركيا- وخارج أروقة المنظمة الدولية، الأمم المتحدة.
لقد أثار الاتفاق حفيظة واشنطن، خصوصاً أن حلفاءها في حلف شمال الأطلسي «الناتو» -ألمانيا، فرنسا- دخلوا على خط التسوية في إدلب، وفي الوقت عينه سحب منها ذريعة الكيميائي، وأخل بمكانتها الدولية، كما مثل خطراً عليها وعلى حلفائها في شرق الفرات، إذ على ما يبدو أنها قد استشفت وجود اتفاق روسي تركي آخر حول الشرق لم يتم الإعلان عنه بعد، وهو موضع دراسة.
وإذا ما أخذنا بالحسبان أن اتفاق سوتشي، ليس من نتاج اجتماع بوتين وأردوغان لساعات معدودة، بل هو اتفاق مدروس من قبل لجنة خبراء من البلدين شكلت بهذا الخصوص، وأخذت وقتها في دراسته وتدقيقه ومناقشته، ومن ثم فإن ما يحيط بالاتفاق من تفاهمات حول شرق سورية يجب أن تأخذ الوقت الكافي كي يعلن عنه، ولعل مقالة أردوغان في صحيفة «كوميرسانت» الروسية، حول العلاقات التركية الروسية، بعد أسبوع من إعلان اتفاق إدلب، تعطي مؤشرات على ذلك، إذ ورد فيها أن أردوغان ينتظر دعماً روسياً، لمحاربة التنظيمات التي يصنفها نظامه على أنها إرهابية مثل، «حزب العمال الكردستاني» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي و«وحدات حماية الشعب» الكردية، وأعرب أردوغان في المقال، وفق وكالة «الأناضول» التركية للأنباء، عن أسفه لاستمرار الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة بشكل خاص لـ«الاتحاد الديمقراطي» و«حماية الشعب» خلال الفترة الأخيرة.
جاءت حادثة الاعتداء الإسرائيلي على مواقع في الساحل السوري وعلى مقربة من قاعدتي روسيا البحرية والجوية في المنطقة، بما حملته من ضرب للاتفاقات الروسية الإسرائيلية حول آليات التعاطي العسكري بين قواتهما في سورية، وبما سببته من إسقاط لطائرة «إيل 20» الروسية وذهاب العسكريين الروس الذين كانوا على متنها ضحايا، شكلت هذه الحادثة من وجهة نظر من نفذها، إسرائيل، ومن دعم تنفيذها، الولايات المتحدة الأميركية، رداً من النوع الكارثي على القائمين بها والداعمين لها، وشكلت في الوقت ذاته فرصة روسية لكسر طوق من نار شرعت واشنطن بإضرامه حول موسكو في الشرق الأوسط.
في الوقت عينه أرادت واشنطن وحلفاؤها في الإقليم عزل روسيا عن إيران والتفرد بالأولى، فكان الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، ليتبعه خطوة تالية من قبيل إشغال إيران بوضعها الأمني الداخلي، ومما يدل على ذلك، التفجير الإرهابي الذي وقع في إيران، وإذا كان تفجير إرهابي في أي بلد أمراً محتملاً، إلا أنه مختلف هذه المرة من حيث الشكل على الأقل، فهو إطلاق نار أثناء عرض عسكري للحرس الثوري الإيراني، والضحايا هم عسكريون من الحرس الثوري ذاته، إضافة إلى المدنيين الذين سقطوا، وإن كانت هذه العملية محدودة إلا أنها كفيلة بإرباك أي بلد وإشغاله.
إن الاحتواء، هو سياسة أميركا رداً على سلسلة من التحركات السوفيتية سابقاً، هدفها السيطرة العالمية، وتقويض النظام الدولي ثنائي القطبية الذي انبثق عن الحرب العالمية الثانية، إلا أنها استمرت كإستراتيجية أميركية قائمة، تطبق بفروق في التفاصيل كسياسة حافة الهاوية، وسياسة الرد المرن وسياسة الردع النووي، وفي هذا السياق فإن هذه الإستراتيجية تعود اليوم للبروز مع صعود الاتحاد الروسي مجدداً على الساحة الدولية من خلال الأزمة السورية، وما تكثيف التواجد الأميركي شرق الفرات، وما إعادة خلط الأوراق بين روسيا وإسرائيل في الشرق الأوسط، وما التحشيد العسكري البحري الأميركي الغربي في المتوسط والخليج العربي، وما إشغال إيران، إلا طوق من نار سعت واشنطن لإضرامه حول التواجد الروسي في الشرق الأوسط، في شكل جديد من أشكال الاحتواء للصعود الروسي.
في المقابل لم تتوان موسكو في كسر الطوق، إذ إن الخطوات العسكرية الروسية الجديدة في سورية والمتمثلة بثلاثة عناصر الأول، تزويد الجيش العربي السوري بمنظومة S300، والثاني، إغلاق المجال الجوي للواجهة البحرية لسورية عبر التشويش الكهرومغناطيسي، والثالث، منظومة التحكم الراداري، قد كسرت الطوق شرقا وغرباً.
لقد كان واضحاً أن روسيا لن ترد على إسقاط طائرتها «إيل 20» بإشعال حرب مع إسرائيل، ولا بإسقاط طائرة إسرائيلية بشكل مباشر، ولكن، كان من المؤكد أنها ستتخذ خطوات دبلوماسية وعسكرية ذات بعد إستراتيجي، فاستدعاؤها للسفير الإسرائيلي وعدم استقبالها لقائد سلاح الجو الإسرائيلي، وخطواتها العسكرية الثلاث السابقة في سورية، هي خطوات ذات بعد إستراتيجي طويل المدى، إلا أنه في الوقت ذاته لن تتوقف موسكو عند هذا الحد بل قد تتخذ المزيد من الخطوات السياسية والعسكرية منها:
• تسليم كل من إيران وتركيا منظومة «S400» للدفاع الجوي، خصوصاً أن هذا الأمر كثيراً ما تم تداوله، وأثار مخاوف واشنطن وأرعب إسرائيل.
• زيادة التواجد العسكري البحري الروسي في المتوسط وفي بحر قزوين.
• تطوير العلاقات مع مصر، واستكمال ما أثير سابقاً من أنباء عن استئجار روسيا لقاعدة عسكرية في مصر، والإسراع في تحويله إلى واقع.
• التسبب بالإزعاج لواشنطن وحلفائها فيما يخص اليمن، ربما عبر مجلس الأمن الدولي.
• الإعلان بأن روسيا في حل من أي اتفاقات مع إسرائيل بخصوص أمنها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن