من دفتر الوطن

وزارة أديان

| حسن م. يوسف

منذ بدء هذه الحرب الفاشية على وطني قررت أن أنظر بعين باردة إلى أسخن الموضوعات، وباتت أفضليتي الأولى والأخيرة هي بقاء الدولة السورية ووحدة ترابها. لم يعد هدفي أن أكتب أشياء مثيرة، بل بات هدفي تحفيز وجدان القارئ وتعزيز إيمانه بالوطن السوري من خلال دمج هويته الجزئية، بالهوية السورية الجامعة.
لكل ما سبق، ولأسباب أخرى، أرجأت الكتابة عن موضوع الأوقاف مراراً، أما الآن فلم يعد التأجيل لي ممكناً لأنني أؤمن أن الرأي أمانة، ولا بد لي من أداء الأمانة في وقتها.
قبل الخوض في موضوع قانون الأوقاف الذي يشغل الشارع السوري الآن، أود أن أعترف لكم أنني كنت دائماً ولا أزال من المعجبين بفكرة الوقف، فالوقف في اللغة هو: «الحبس أو المنع» والمقصود به تكريس بستان أو عقار أو آلة كي يستفاد من غلتها في خدمة قضية ما أو مشروع ما.
في البداية كان أصحاب الأوقاف يشرفون على أوقافهم ويقومون برعايتها وإدارتها بأنفسهم، ومع تطور الدولة في العصر الأموي تم إنشاء هيئة خاصة للإشراف على الأوقاف، وأحدث ديوان مستقل لتسجيلها. وهكذا غطت الأوقاف مختلف جوانب الحياة، كدور تعليم القرآن وأصول ترتيله ودور تعليم الحديث وروايته، مروراً بالآبار وحياض الماء وخانات إيواء الغرباء. كما شاع وقف المشافي المجانية، وأشهرها البيمارستان النوري، الذي كان يعمل فيه ابن النفيس أشهر الأطباء في تاريخ دمشق، ووقف جمعيات الخير التي تعتني باليتامى واللّقطاء والعجزة والعميان والمقعدين، ووقف إطعام السجناء وتزويج الشباب… الخ.
أستطيع القول من دون تردد إن الوقف من أجمل وأنبل الأفكار التي قدمتها الحضارة العربية الإسلامية. فإذا كان حلف الفضول، الذي أقيم في مكة قبل الإسلام، هو أقدم جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان كما يرى الدكتور جورج جبور، فإن الوقف هو أقدم منظمة للمجتمع المدني في تاريخ البشرية، بل إنه من أرقاها وأكثرها إنسانية. فقد شهدت دمشق وقفاً خيرياً لمعالجة الكلاب الضالة وإيوائها، كما شهدت وقفاً لإيواء القطط. إلا أن أطرف وأظرف ما عرفته دمشق من أوقاف هو (وقف الآنية) الذي تحدث عنه ابن بطوطة في رحلته عندما حل في دمشق: «مررت يوماً ببعض أزقة دمشق فرأيت به مملوكاً صغيراً قد سقطت من يده صحفة من الفخار يسمونها الصحن، فتكسّرت وتجمع عليه الناس فقال له بعضهم: اجمع شقفها واحملها معك لصاحب أوقاف الأواني، فجمعها وذهب الرجل معه فأراه إياها فدفع له ما اشترى به مثل ذلك الصحن».
في مطلع خمسينيات القرن الماضي صدر مرسوم بإلغاء مناصب المتولين على الأوقاف الخيرية في سورية وفي مطلع الستينيات صدرت مراسيم أخرى أناطت الولاية على الأوقاف الإسلامية بوزارة الأوقاف ومديرياتها. وقد ارتفعت آنذاك أصوات قليلة شككت بسلامة هذا الإجراء من الناحية الشرعية لأنه لا يحترم الشروط والضوابط الموضوعة من مؤسس هذا الوقف أو ذاك.
قبل أيام قرأت كلاماً مقلقاً للصديق نبيل صالح عضو مجلس الشعب الذي أومن من خلال التجربة أنه يستحق اسمه. يرى النبيل الصالح أن قانون وزارة الأوقاف يشكل: «انقلابا على عقد الدولة العلمانية وعلى تنوع المجتمع السوري الذي عانى خلال سنوات سبع من التكفيريين الذين قادوا الحرب علينا باسم الدين». كما قرأت ما كتبه الدكتور محمد عبدالله الأحمد على صفحته في الفيس بوك: «إن ما يسمى الفريق الديني الشبابي مخالف للدستور حتى ولو كانت نوايا هؤلاء جيدة». ولهذا لا يسعني إلا أن أضم صوتي لصوت هذين الصديقين وأطالب معهما بمراجعة وتدقيق هذا القانون ورفض ما هو لا دستوري فيه».
لو كان الأمر لي لاهتممت بالجانب المدني من حياة الناس، فأنا أرى أنه في كل عقيدة بذرة تطرف تتحول إلى كارثة قاتلة، عندما يعتقد معتنقها أنه يحتكر الصواب! في الختام ثمة سؤال يطرح نفسه، ما دامت سورية بلداً متعدد الأديان، لماذا لا تكون لدينا وزارة أديان بدلاً من وزارة الأوقاف؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن