اقتصاد

هم أيضاً «مستثمرو حرب»

علي هاشم : 

تثير الجهود الحكومية لاسترداد الديون المصرفية المتعثرة تشكيكاً متزايداً في جدواها، فهذا الملف الذي أضحى أحد أسوأ عناوين الإخفاق، تخلله «تبذير» مفرط في المشاعر حيال «قدسية أموال الشعب»، ممزوج بتقتير لافت في آليات التفكير المبدع لاستعادتها: ادفع.. أو نبيع الضمانات!
كما الآلات الرخيصة تنتج سلعا من طينتها، كذا أفضت آليات «أرخص التفكير» لنتائج خاوية: الأموال «المقدسة» لم تعد، والبيع بالمزاد العلني لم ينجح إلا باسترداد «تراب المصاري» عقب مرحلته الثالثة!.. وزيادة عما افتضحه الأمر من استخفاف بأموال المستثمرين، فقد أجابت آليات المعالجة الحكومية –بطريقة عفوية- عن السؤال الافتراضي حول أولوياتنا بتحصيل الديون دون استعادة المستثمرين المدينين ممن كان يقدر لهم -لولا الحرب- أن يقفوا اليوم على شرفات مكاتبهم يستطلعون حال صالات الإنتاج في آلاف المشاريع الاستثمارية!.. هي الحرب ذاتها التي قلصت الحكومة العظيمة إلى «حكومة خدمات واقتصاد الحد الأدنى» وفق توصيفها لذاتها، في الوقت الذي ما زالت تتوقع فيه الحد الأعلى من الآخرين؟!
من حيث المبدأ، خلقت البنوك لإنجاز مشاريع لا يجلس أصحابها على ملاءة كافية لتمويلها، هذا هو كنهها، ومع الحرب بما كرسته من تصاعد هائل في الفوارق ما بين قيم قروضهم وتكاليف إشادة منشآتهم، كان من الطبيعي أن يتعثر المستثمرون، تماما كما هي حال الحكومة التي فشلت في استكمال أي من مشاريعها الاستثمارية!!.. في الواقع، لا شرف في أن نطالب الآخرين ما لا نستطع الإتيان بمثله؟!
وطلب الحكومة من مواطنيها قبولها كـ«حكومة حرب» كان يفترض –تلقائياً- قبولها بهم كـ«مواطني حرب».. والعكس بالعكس.
أما من جهة المصارف، ورغم دراية الجميع بقساوة القانون حيال «الديون الرديئة»، فإن «حلولها الأردأ» كرست نتائج كارثية على أموالها حتى الآن، لذلك، فهي مطالبة اليوم بآلية أكثر تعقيداً من «إستراتيجيات أصحاب البقالة» التي اجترحتها مخيلتها.. آليات أقل انفعالاً «من ادفع أو نبيع» وأكثر إبداعاً من «تجميد القروض».. آلية واقعية ترى أبعد من استرداد ديونها وتدنو أقرب من تجسيد دورها التنموي الذي ينتظر منه دعم المستثمرين المتعثرين -ما أمكن- للوقوف على شرفات صالات إنتاجهم مجدداً.. آلية تباهي بها المصارف أمام المستثمرين المستقبليين وتقول لهم بأنها لن تبيعهم بالمزاد في الأزمنة الصعبة.. باختصار: آلية تشبه ما فعلته حكومات العالم إبان الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008!!.. أما لماذا يجب عليها فعل ذلك؟ فهو اليقين التام بأنها ما لم تفعل، فأموالها قد «ضاعت.. ضاعت»، وأن استمرارها على «هوس البيع بالمزاد» لن يكفي لطمس فساد الضمانات العينية.. المحتمل.
باستثناءات قليلة، ليس هنالك من مستثمرين متعثرين يريدون سرقة «الأموال المقدسة»، جلهم تسمروا -كما الحكومة- مذهولين من شدة الحرب التي طالتنا، ولئلا تبقى شعارات «قدسية الأموال العامة» عرضة للمزايدات باتجاه واحد، فـ: نعم، من بقي في وطنه يستحق النظر إليه بشيء من إيمان مقابل.. نعم، «الأرض لمن دافع عنها» ولو «بأضعف الإيمان» الذي جسده استمراره بالوقوف على ترابها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن