اقتصاد

«نصيب» السوري.. و«جابر» البريطاني!

| علي محمود هاشم

ردا للتحية بأحسن منها، وبطريقة غير متوقعة تختزن العديد من الرسائل، أعلنت الحكومة افتتاحاً سريعاً لمعبر نصيب الحدودي مع الأردن.
«ردا للتحية».. فلربما لأن الأمر يتعلق بزيارة الوفد التجاري الأردني ومشاركته في فعاليات معرض دمشق الدولي مطلع الشهر الماضي، و«مناشدته» الحكومتين السورية والأردنية إعادة فتح المعبر.. الكلام العروبي الذي قاله الأعضاء البارزون في الوفد، نائب رئيس اتحاد غرف التجارة الأردنية ورئيس غرفة صناعة عمان، وبخاصة لجهة «التكامل الإقليمي» في بلاد الشام، يعني الكثير في الميزان الأخلاقي لدولة تعرضت لكل هذا الحقد الممنهج، كما هي حال سورية.
في الشكل، الذي عادة ما تحرص عليه الحكومة السورية في إعلاناتها السياسية، يمكن استقراء رسائل عدة تسهل قراءتها من خلف ذهاب وزارة النقل المباشر للإعلان عن خبر افتتاح المعبر عبر وكالة الأنباء الوطنية «سانا»، فيما لا تزال مصادر «الشقيق» الأردني منهمكة في صياغة «مباحثات ولجان فنية وإجراءات لوجستية».
لائحة الإجراءات الطويلة التي أعلن الأردني ضرورة تنفيذها في سياق الاستعداد اللوجستي لافتتاح المعبر تثير التساؤل بالفعل قياسا بواقع الجانب الآخر من حدودنا.. فعلى سبيل المثال، معبر نصيب الذي تعرض مع محيطه وقنواته البرية لتدمير ممنهج بعدما أُفلتت المملكة قبضتها عن لجام القطعان التكفيرية قبل سنوات، فقد تمت إعادة إعماره ومعه الطرق الدولية المؤدية إليه خلال أزمنة قياسية تلت تحريره من هؤلاء!، والحال كذلك، فلماذا إذاً لا يزال «شقيقه جابر» الذي حافظ التكفيريون على عدم إصابته ومحيطه بأي أذى، يحتاج إلى كل تلك المتطلبات والأزمنة المتناقضة مع المصالح الأردنية الداهمة، وفق رواية الجيران المعلنة؟!.
عند هذه النقطة، قد يصلح تقليب نوايا الشقيقة الحقيقية حيال افتتاح معبر «جابر» المقابل لـ«نصيبنا» كنافذة سياسية كاشفة للبيئة الأردنية «المترددة» في خروجها من «المانطو» البريطاني المنخرط في الحرب على سورية، إذ إنه وفقا لقاموس سورية الخاص بجغرافيتها السياسية، يقع معبر «نصيب» إلى الشرق قليلا من الأحياء الجنوبية لمدينة درعا التي حررها الجيش من تنظيم القاعدة مؤخرا، إلا أن مفاتيح معبر «جابر» المقابل، فتقع -اليوم- في لندن أو واشنطن، أو لربما في إدلب التي لا يزال تطهيرها من مستوطنات «الثوار» الأجانب ممنوعا قبل تسليم الغرب أحد مفاتيح الأبواب الخلفية للنظام السياسي في سورية، وذلك بحسب آخر نوبة من تخرصات «المجموعة المصغرة حول سورية» وما رافقها من تهديد علني بالخنق الاقتصادي للسوريين، القائم وزيادة!.
ثمة عشرات التساؤلات الأخرى حول قدرة المملكة على برهنة وقوع معبر جابر فوق أراضيها بالفعل، وأنه حقا منفذها الاقتصادي الشعبي المشترك مع سورية، الفذلكات البريطانية المارقة على الألسنة الأردنية ذات العلاقة بـ«إعمار سورية والعراق من المفرّق»، تجر خلفه تساؤلاً عن الحاجة إلى الموانئ والأسواق السورية بمعنى الشراكة، طالما أن للأردن موانئ أخرى قادرة على إعمار كلا شقيقيه سورية والعراق؟! على حين تتطلع الفذلكات الأميركية لإعادة تدوير معبر «جابر» كهمزة وصل تستبدل معبر «التنف/الوليد» السوري العراقي بـ«طريبيل/ الكرامة» الأردني العراقي تحت مزاعم لطالما سوّق خزعبلاتها تاج جيراننا.
فنيّا، ورغم الحاجة لمختصين اقتصاديين لتفنيد قدرتها في حفظ تنافسية الجغرافيا والموانئ السورية، يجدر النظر إلى رسوم الترانزيت الجديدة عبر البرّ السوري كإجراء اقتصادي احترازي عادل تؤكد ردود الفعل اللبنانية إلى هامشية منعكساته على تدفق التجارة بين البلدان الثلاثة.
إلا أن هذه الرسوم تتمظهر في البعد السياسي كردٍّ مبهر على المشاريع المعلنة والمستبطنة التي لطالما تلقينا عناوينها عبر الشمال الأردني، ودرء النوايا المخفية في محيط مدينة «المفرق» المتلهفة للعب دور الميناء الجاف لشقيقه «حيفا» الصهيوني!.. هذه المحاولات المملة في سياق تهميش الموانئ السورية، درّة الموانئ الشرقية للمتوسط، لم يكن ليجدر بالجار الأردني أن يواظب على تكرارها المهين للعقل السوري.
في العاشر من الشهر الجاري، سيكون أمام المملكة الجارة البرهنة على أن معبر «جابر» يقع على أراضيها بالفعل، لا في إدلب، أو التنف، أو لندن، أو واشنطن أو غيرها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن