قضايا وآراء

«تقشعر لها الأبدان» القرار 2235 لزوم ما لا يلزم

عبد المنعم علي عيسى : 

يذكر القرار 2235 الصادر عن مجلس الأمن 7/8/2015 بتلك اللحظات الرهيبة التي ظهر فيها وزير الخارجية الأميركي كولن باول على شاشات التلفزة في العالم أجمع في 5 شباط 2003 وهو يعرض صوراً التقطتها الأقمار الصناعية الأميركية قال إنها معامل متنقلة لصناعة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية في العراق.
من يدقق جيداً في حركة مجلس الأمن فيما يخص الشأن السوري منذ اندلاع الأزمة السورية في آذار 2011 فسوف يرى أن هذا المجلس قد تبنى بشكل خاص تلك الأزمة حتى إنها باتت تمثل شغله الشاغل، وهي على الرغم من أهميتها وتداعياتها إلا أن أداء مجلس الأمن قد زاد بالتأكيد على الحدود المعهودة حتى إنها وهي ابنة 4 سنين (الأزمة السورية) فاقت بكثير جدتها الفلسطينية ابنة السبعين عاماً أو يزيد.
ومن يدقق بالقرارات الأممية الصادرة التي تختص بالشأن السوري خصوصاً منها (2170-2178-2199-2209-2235) فسيرى (نعم يرى ولا يلمح بين طياتها) أطلالاً من جديد لعصر انتداب أممي ترسم واشنطن صورته مربعاً تلو الآخر حتى تمام المشهد.
يقرأ الأمر على أن عجز واشنطن عن استصدار قرار أممي يدين بشكل واضح الحكومة السورية (بسبب الفيتو الروسي- الصيني) قد دفع بها إلى استصدار قرارات تكون ذات أثر تراكمي لتشكل في مجموعها أرضية ممكنة للتدخل أو للوصاية الغربية على سورية.
كم تشبه إدارة واشنطن للملف السوري إدارتها لنظيره الفلسطيني على مدار العقود السبعة المنصرمة مع فارق بسيط هو أن التوتر الناجم عن تتالي الإخفاقات الأمريكية في الحالة السورية كان غالباً ما يفضح النيات الأميركية سريعاً بعكس ما كانت عليه الحالة في الملف الفلسطيني الذي لم تلاق فيه واشنطن أي إخفاقات تذكر.
بالنسبة للسلاح الكيماوي جاءت نتيجة التصويت على القرار بشبه إجماع (14 صوتاً موافقاً+ 1 امتنعت فيه فنزويلا عن التصويت) ليتبدى أن هناك توافقاً أميركياً- روسياً تتعهد بموجبه الأخيرة ألا تمانع في صدور أي قرار لا يحمل في طياته إدانة دامغة للحكومة السورية، وعلى الرغم من أن القرار يفترض ضمناً وجود جماعات أخرى تمتلك السلاح الكيماوي إلا أنه لا يمكن أن يكون موجهاً ضد الحكومة السورية، فلجان التحقيق المنبثقة عنه ستكون ملك يمين واشنطن، وفي هذه اللحظة نجزم بأن نتائج التحقيقات سوف تحمل الحكومة السورية مسؤولية استخدام الأسلحة الكيميائية ولكي تضفي (تلك اللجان) على عملها صفات المهنية والحيادية فهي ستشير إلى استخدام المعارضة السورية للأسلحة الكيميائية (على نطاق ضيق) لتخلص إلى القول: إن تلك الاستخدامات (للمعارضة) جاءت نتيجة ردة فعل على ما يقوم به النظام وبالتالي فإن هذا الأخير يتحمل المسؤولية في استخدام السلاح الكيميائي في كلتا الحالتين.
بعد أن تم تدمير العراق منذ 9 نيسان 2003 فصاعداً تكشفت فيما بعد فبركة تلك الصور كما ظهر كولن باول من جديد ليعلن أن ذلك اليوم (5 شباط 2003) سيبقى يوماً أسود في تاريخه إلا أن ذلك لم يقدم ولم يؤخر فيما جرى في العراق فتلك الأكاذيب لعبت في لحظتها دور الحقائق الدامغة ولا أهمية إطلاقاً لظهور زيفها بعد أن استخدمتها واشنطن مطية لتحقيق ما تريد.
نشرت صحيفة بولتيكوس USA في 10/4/2013 وثيقة مسربة عن ويكيليكس الأميركية قدمت لها الصحفية سارة جونز بعنوان «تسريب تقشعر له الأبدان»، فالوثيقة تثبت أن وزير الخارجية العراقي ناجي صبري الحديثي كان قد أرسل إلى الأمين العام للأمم المتحدة في 30/1/2003 رسالة حذّر فيها من أدلة ملفقة عن أسلحة كيميائية عراقية.
لا تعدو الحادثة الأخيرة أن تكون متنفساً أخلاقياً يظهر في المجتمعات الغربية كردة فعل على الوحشية الأميركية الساعية لتدمير كل هذا العالم لكي يرتفع سهم داوجونز أو ناسداك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن