الأولى

لا حرب إسرائيلية على لبنان

| بيروت – محمد عبيد

ممنوع على دول وقوى محور المقاومة أن ترتاح، فالأمر ليس مرتبطاً بقبول القيادة السورية بتسويات سياسية تنهي الحرب الكونية المفتعلة ضد سورية، ولا بالتزام حزب اللـه في لبنان بمندرجات قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وانضوائه تحت سقف الدولة، ولا بإثبات إيران قولاً وفعلاً أنها تُحرم امتلاك السلاح النووي واستعماله لأي ظرفٍ كان وأن كل ما تطمح إليه لا يتجاوز الإفادة من الطاقة النووية لخدمة شعبها سلمياً.
ومن المؤكد أن هذا الأمر ليس معلقاً على قبول دول وقوى محور المقاومة تسهيل عملية إعادة تشكيل مؤسسات الدولة العراقية بناءً على نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة والتوازنات التي أفرزتها، ولا بموافقتها على الدخول في حلول سياسية تطول الحرب العدوانية على اليمن وتوفر على شعبه المظلوم ويلات القتل والدمار والحصار أو بالأصح الجرائم الإنسانية التي يرتكبها أركان هذا العدوان، وأيضاً ليس بالابتعاد عن التدخل للمساهمة في معالجة حالات التشظي الذي يشهده أكثر من دولة عربية وإسلامية نتيجة ما سُمي «الربيع العربي».
الأمر أولاً وأخيراً يتعلق بفلسطين، وبعد فلسطين يتعلق بالإذعان والخنوع والركوع للأميركي والإسرائيلي. إذ لا يكفي تسليم دول وقوى هذا المحور بما يُسمى «صفقة القرن»، فهي ليست سوى بداية لمسار من المفترض أن يؤدي في النهاية إلى الاستسلام ثقافياً، بحيث يُسقط المحور المذكور من مناهجه التربوية وأدبياته التاريخية وخطاباته السياسية والإعلامية فكرة ومبدأ العداء للكيان الإسرائيلي المصطنع على أرض فلسطين، كي يشعر شعب هذا الكيان بالاطمئنان على وجوده ومستقبله. ومن ثم عليه أن يُسَلِمَ بالتفوق العسكري الإسرائيلي بحيث يبادر فوراً إلى إزالة كل المقومات والقدرات العسكرية الإستراتيجية والتكتيكية التي لديه، عندها فقط يمكن لشعب الكيان الإسرائيلي أن يغفو بهدوء وسكينة.
وكيف لدول وقوى محور المقاومة أن ترتاح، وهي مصرة على التمرد ضد المشاريع التي تعدها دوائر اللوبي الصهيوني في غير عاصمة غربية و«عربية» بالتكافل والتعاون مع المؤسسات الإستخباراتية والعسكرية الأميركية، وهي مصممة على المواجهة لإسقاط الخطط الهادفة لقتل وتدمير دول المنطقة وشعوبها، والتي ما إن تترنح إحدى هذه الخطط حتى يستولدوا أخرى أكثر تخريباً وتفتيتاً وإجراماً.
حاولت الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها وأتباعها من خلال العدوان على لبنان ومقاومته في العام 2006 أن تكرس نصراً عسكرياً يستكمل النصر السياسي الذي حققته عبر إصدار القرار 1559 من مجلس الأمن الدولي وما تبعه من تداعيات على سورية وحزب اللـه والمنطقة، كما يقود إلى رسم خريطة جديدة في المنطقة تنهي مقاومة الحزب وتحاصر سورية وتعزل إيران تحت عنوان صياغة مشروع «شرق أوسط جديد».
لكن كل هذه الحملات السياسية والإعلامية الهائلة والعسكرية المُدمرة التي انطلقت بتفويض وشراكة «عربية» لم تؤدِ إلى النتائج المرجوة، فسقط هذا المشروع وانهارت معه كل الآمال التي عُقِدت عليه.
وما لبثوا أن تحينوا فرصة ما سُمي «الربيع العربي» للانقضاض على سورية: الظهير الحامي للمقاومة وجسر عبورها وخيمتها العربية، فاستقدموا إليها كل أنواع القتلة والمجرمين الإرهابيين وزودوهم بشتى أنواع الأسلحة النوعية والحديثة وبددوا لأجل ذلك معظم أموال نفط الخليج، أملاً بإسقاط الدولة فيها وإخراجها من المحور المؤسِسَة فيه كي تسقط فلسطين من خريطة المنطقة والعالم وتُرسَمُ على أنقاضها خريطة «صفقة القرن».
ليس من المبالغة بشيء القول إن صمود القيادة السورية وتضحيات الشعب والجيش والحلفاء الأوفياء ومشاركة الأصدقاء الخُلَّص وتماسكهم بعضهم مع بعض أسقطت هذه الصفقة، كما أنهت الأوهام التي اعترت قادة العدو الإسرائيلي ومعهم بعض المسؤولين الخليجيين بإمكانية العبور من سورية لإنهاء فلسطين.
اليوم عادوا إلى المربع الأول: تهديد حزب الله، ربما يعتقد رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو أن مجرد عرضه لصور مفبركة عن مخزون الحزب العسكري وبالتحديد الصاروخي يكفي لتبرير عدوان على الحزب ولبنان.
إلا أن الواقع أن التهويل «التويتري» والتهديد الإعلامي يعبران عملياً عن خوفٍ مستحكم لدى مراكز القرار السياسي والأمني والعسكري الإسرائيلي من الإقدام على أي خطوة ميدانية وهي التي عودتنا القيام بذلك من دون الإعلان عنه مسبقاً، كما أنهما يكشفان عن عجزٍ كامن بسبب اليأس من إمكانية الإحاطة بقدرات الحزب العسكرية، التي من المؤكد أنها ليست موجودة في محيط مطار بيروت، والحزب بغنى عن ذلك بعدما بات انتشاره يغطي مساحة واسعة من الأراضي اللبنانية، إضافة إلى المواقع التي يرابط بها في سورية وفقاً لقرار القيادة السورية وحاجة قواتها المسلحة للمساندة.
يعلم قادة العدو الإسرائيلي أن العدوان على لبنان لم يعد نزهة لجنوده بل تحول إلى جحيم لم يتماثلوا إلى الشفاء منه بعد التحرير عام 2000 والانتصار عام 2006، لذا لا حرب على لبنان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن