قضايا وآراء

خريطة نفط شرق أوسطية أميركية جديدة إلى جانب الخريطة السياسية

تحسين الحلبي : 

يسلم الكثيرون من المحللين السياسيين الأميركيين بأن واشنطن عجزت حتى الآن عن تدجين السياسة العراقية وتحويلها إلى تبعية شاملة للسياسة الأميركية وهذا في الواقع ما يدل عليه تاريخ التطورات العراقية منذ احتلال العراق عام 2003 وانسحاب قوات الاحتلال قبل أعوام.. لكن هذه الحقيقة تفرض سؤالاً هو: أين تتجه السياسة العراقية وما مستقبلها أمام هذا الصمود العراقي ضد المخطط الذي يستهدف العراق والمنطقة؟..
يرى معظم المختصين بشؤون الشرق الأوسط أن الحروب التي بعثت بها واشنطن إلى المنطقة منذ عام 2003- 2011 ازدادت انتشاراً فامتدت إلى حرب السعودية على اليمن وانشغال السعوديين بحرب تشبه حرب أميركا على فيتنام، ومع استمرار هذه «الفوضى الخلاقة» التي فرضتها واشنطن بمساعدة حلفائها من دول تابعة لسياستها ومجموعات إرهابية مسخرة لخدمة هذه الفوضى سينشأ جيل في دول النفط بشكل خاص لا يمكن أن يقبل بحكم الأمراء والشيوخ والملوك وما أكثرهم في المنطقة وخصوصاً بعد أن أصبحت معظم وسائل الاتصالات الحديثة بين أيدي هذا الجيل الذي تتوافر له كل مصادر المعرفة والمعلومات من دون رقابة «المطوعين» أو ما شابههم من موظفي الدول الخليجية.
ويبدو من الواضح أن ما يجري الآن في العراق من دعوة إلى تشديد الرقابة على الفساد والمفسدين وتفاعل الشارع العراقي كله من أجل حماية العراق والمحافظة على ثرواته سيحمل تأثيره في دول كثيرة وخصوصاً بعد ازدياد تقارب العراق مع طهران وابتعاده المستمر عن دول الخليج ليصبح قابلاً إلى شق طريق مستقل ينهض بشعبه ومستقبله ويعزز علاقاته مع الدول المناهضة لسياسة الهيمنة الأميركية.
وتحت عنوان مستقبل (دول الخليج في عصر الفوضى) نشر (معهد الدراسات الإستراتيجية للكلية الحربية للجيش الأميركي) في حزيران 2013 دراسة من 50 صفحة كانت خلاصتها أن دول الخليج لن تستطيع منع التأثير الذي تحمله التطورات الجارية في المنطقة منذ 2011 وأن ما حدث ويحدث الآن في البحرين سيفرض تأثيره المباشر في دول مثل الكويت وقطر والإمارات والسعودية بشكل خاص وأن الدول الغربية المتحالفة مع دول الخليج لن يكون في مقدورها منع هذه التطورات الداخلية بل إن بعضها بدأ يفضل تغيير عدد من الشخصيات الحاكمة في دول الخليج.
ويرى (ماثيو بيروز) في مجلة (أتلانتيك كانسيل) أن السعودية ستدفع أكبر ثمن باهظ بسبب حربها على اليمن التي تستنزف بسرعة مقادير كبيرة من ثرواتها المالية من دون أي جدوى سياسية أو اقتصادية..
ويبدو أن واشنطن لا تسعى إلى فرض خريطة سياسية جديدة للشرق الأوسط فقط بل أيضاً خريطة أخرى نفطية تلحق الأضرار بدول النفط التقليدية بهدف الحفاظ على إستراتيجية النفط الأميركية الجديدة فتحت عنوان «ثورة النفط الصخري الأميركية ومضاعفاتها على دول الخليج»، يرى «المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية» في دراسة نشرها في تشرين الثاني 2014 أن تنافساً حاداً سيظهر في سوق النفط والغاز وتصديرهما وسيولد مصلحة أميركية إستراتيجية لتصدير نفطها الصخري وسيجعلها تصطدم مع عدد من دول الخليج التي سيلحق بها ضرر اقتصادي يولد نزاعات داخلية وخصوصاً في السعودية التي اعتادت إنفاق جزء كبير من ميزانيتها على الاقتصاد الاستهلاكي وليس الإنتاجي.. وترى الدراسة أن انخفاضاً مقبلاً سيطرأ نتيجة هذا التنافس واختلال ميزان العرض والطلب على أسعار النفط، فتسارع مضاعفات هذا الانخفاض ينعكس على شكل سياسة تقشف مالي لا تستطيع دول الخليج تحملها لوقت طويل وستظهر أول السلبيات في البحرين والكويت والسعودية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن