ثقافة وفن

كل نتائج الغد موجودة في أفكار اليوم … فاتن نظام لـ«الوطن»: رؤية الإنسان لنفسه وقدراته تؤثر في رؤيته للحياة من حوله

| هناء أبو أسعد

«راقب أفكارك تتحول إلى كلمات ،راقب كلماتك تتحول إلى أفعال، راقب أفعالك تتحول إلى عادات، راقب عاداتك تتحول إلى واقع ومصير حياة».
«كل أزهار الغد موجودة في بذور اليوم وكل نتائج الغد موجودة في أفكار اليوم»، إذا أرسلت أفكاراً إيجابية تعود إليك أفكاراً إيجابية ومزهرة، والعكس صحيح، فهذا يعطينا ضوءاً للإنجاز ولتحقيق أهدافنا بكل كفاءة وفاعلية وإنتاجية.
الأستاذة فاتن نظام أستاذة ومدربة بالتنمية البشرية حلت ضيفة على «الوطن» لتحدثنا أكثر عن التنمية البشرية وكيفية الوصول إلى تحقيق الأهداف، وعن واقع التنمية البشرية في سورية، وتتحدث عن بعض القضايا في المجتمع وعلم النفس التي تؤثر في مفهومات التنمية البشرية، وطرائق تعامل الإنسان مع ما يعترضه في حياته وعمله، في مشكلاته وسيرورة قضاياه.
ماذا يعني مفهوم التنمية البشرية؟
هي تنمية وتطوير قدرات الإنسان وإمكانيّاته بشكل دائم ومستمر، وذلك بما يُمكنه من ممارسة نشاطه المعتاد، وتهدف إلى زيادة كميّة الخيارات المتاحة للنّاس وحجمها؛ عن طريق زيادة المهارات والمُؤهّلات البشريّة! والهدف هو أن يصل الإنسان إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل.

في مجال التنمية البشرية لا يشترط التخصص فكيف يستطيع الشخص أن يكون ناجحاً في هذا المجال وما صفات الشخص الناجح؟
مجال التنمية البشرية لا يشترط التخصص، فدراسته تقتصر على الدورات التدريبية فقط، أي لا توجد كلية باسم التنمية البشرية أو مؤسسة تعليمية معنية به ولكن الآن هناك كليات تقوم ببرامج تدريبية في التطور المهني وتمنح دبلوماً فيها.
فإذا كنت تعاني من قلة فرص العمل المرتبطة بمجال تخصصك الجامعي، وترغب في أن تكون ناجحا في مجال التنمية البشرية لا بد أن تتوافر فيك صفات معينة حتى تتمكن من الاستمرار وتحقيق النجاح وهي: «القدرة على الإقناع، التمتع بمهارات الاتصال والاستماع الجيد، القدرة على توصيل المعلومة، ضبط النفس عند التعامل مع الآخرين، والإيمان بالمبادئ والقيم التي تنقلها للآخرين، فضلا عن ضرورة الاهتمام بالمظهر الخارجي. ويتطلب الأمر كذلك القراءة في مجالات مختلفة إلى جانب التنمية البشرية، وخاصة العلوم الإنسانية (علم الاجتماع، علم النفس، العلم السلوكي)».

هل التنمية البشرية لها علاقة بعلم النفس؟
في الحياة اليومية يظهر الكثير من المشكلات والعراقيل التي تحول دون بلوغ الإنسان أهدافه وطموحاته، فكان لابد من إيجاد حلول كفيلة لإزالة تلك العقبات ليستغل بذلك قدراته في التكيف والتوافق مع البيئة حتى يتمكن من العيش بشكل سليم، فبدءاً من استغلال تلك القدرات الفعالة في استخلاص النتائج والمعلومات والمعارف التي أخذت تتوسع شيئا فشيئا واتجهت نحو التخصص ولكن حسب طبيعة الموضوعات، ظهرت علوم خاصة بالطبيعة وعلوم خاصة بالإنسان «(التنمية البشرية) التي عملت جميعها في اتجاه واحد هو إيجاد الظروف الملائمة لحياة سعيدة لهذا الإنسان من خلال وضع مناهج ووسائل خاصة تلائم ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية من تقدم تكنولوجي وتنوع في الثقافات والاعتقادات، ولعل علم النفس هو أهم الفروع التي عملت على معرفة الإنسان المعرفة العلمية الجيدة، والعمل على بلوغ التوافق الجيد مع الذات ومع المحيط كما التنمية البشرية وتطوير الذات وتنميتها، فعلم النفس يدرس الشخصية الإنسانية ذات التكوين المعقد من النواحي الجسمية والنفسية والانفعالية والاجتماعية التي بدورها ترتبط بعوامل معقدة متشابكة وهي الوراثة والبيئة، وبالمقابل نجد أن التنمية البشرية وعلم النفس يستحيل الفصل بينهما، فعلم النفس يلعب دوراً بارزاً في معرفة الإنسان وفهم سلوكاته وخصائصه والقيام بالتوجيه الفعال بما ينفع الفرد والمجتمع، ويشمل جميع المجالات والمستويات، والتنمية البشرية هي عملية توسيع تلك القدرات في كل المجالات بهدف الوصول إلى حياة صحية ومتوازنة وسليمة، وتنمية القدرات الإنسانية من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم وزيادة الخبرات من أجل نهوض شامل.

من خلال الدورات التي قمت بها، هل تجاوب السوريون وهل لديهم معرفة كافية في هذا المجال؟
أصبح التأثير الاجتماعيّ هو المُؤثّر الرئيسيّ، لما يحقّقه من تطوّرات ملحوظة في معيشة الناس وذلك بإسهامه في تحقيق السعادة، فمجال التنمية البشرية موجود ولكن أصبح الآن ضرورة وكل الناس متلهفة إلى عمل الدورات التدريبية، فهذا عمل على إعادة دراسة مفهوم التنمية وتحليلها وإقامة مراكز في كل أنحاء سورية متخصصة فيها.
عناوين الدورات التي قمت بها كل شخص أصبح بحاجة لها. بعد أزمة طالت أكثر من 7 سنوات فالجميع يحتاج إلى التحفيز وإيقاظ القوى الكامنة لديه وإعادة التوازن وتطويره لذاته وأصبح لهم أهمية مواضيع التفاوض وإدارة الحوار وأتيكيت المقابلات، إضافة إلى برنامج التفكير الإيجابي.
حاليا جميع السوريين يهتمون بالتطوير والتأهيل لصقل قدراتهم واكتساب مهارات حياتية تضفي السعادة إلى جانب التعليم الأكاديمي وهذا لا يتوقف فقط على المستوى الشخصي، كما تهتم كل مؤسسة وكل شركة بتنمية قدرات العاملين فيها سواء على المستوى الإداري شموليا لتشمل كل العاملين على جميع مستوياتهم الوظيفية فأصبح منهج التنمية البشرية في المقام الأول الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع وتحسين النوعية البشرية نفسه.

اكتشاف القوى الكامنة -التحفيز- عجلة النجاح عناوين محفزة لدورات قمت بها. كيف كانت النتائج من المتدربين؟ وكيف نستطيع اكتشاف قدراتنا الكامنة للوصول إلى الهدف؟
كلنا لدينا قدرات وإمكانيات وكنوز كامنة بداخلنا ولكن هناك أشخاص يعملون على صقل تلك الكنوز بينما آخرون لا يقومون بذلك، فيبدأ اكتشافنا لكنوزنا بتحملنا للمسؤولية الكاملة، فالنجاح على أي مستوى يتطلب من الإنسان أن يأخذ المسؤولية كاملة، وفي نهاية الأمر الميزة الوحيدة التي تجمع بين الناجحين في العالم تكمن في قدرتهم على تحمل المسؤولية، فمن الممكن أن يكون الشخص على علم بقراره واختياره ولكن معظم الأشخاص لا يتحملون المسؤولية، فالطالب الذي يرسب في دراسته يلوم المدرس والمدرسة والمواد ولكنه لا يعترف بخطئه عندما اختار عدم المذاكرة.
إضافة إلى معرفة تطبيق كلمة قرار فالقرار الذي يتخذه الشخص يجب أن يكون قاطعا أي لا رجعة فيه من دون أي نوع من التردد والخوف. وأخيراً لا ألوم ولا أتذمر من الحياة وظروفي وأهلي وضغوط الحياة.. بالحقيقة الحياة تعطينا 10 بالمئة من الفعل وتبقى 90 بالمئة هي ردّات فعلنا ووضع الشماعة التي نعلق عليها خيباتنا.
بهذه المفاتيح يكون لدى المتدرب القدرة على تجاوز الصعوبات وتحقيق ذاته ووصوله إلى الهدف، وهذا ينطبق على جميع الفئات المستهدفة بالتدريب فتعطي نتائج مرضية وجميلة ليس فقط على المتدربين بل على الذين يصبحون متدربين ويعطون المعلومات للآخرين بروح التفاؤل، حتى مفرداتهم تتحول إلى جمل تحفيزية وداعية على النجاح-«استمتع بالحياة. لا تحزن. كن قائداً لذاتك وأنا المدير العام لذاتي».

كلنا يحلم بأن يصبح أبناؤنا مثاليين..ما دور التنمية البشرية فيما يخص الأسرة والطفل وهل هذا العلم يساعد على شكل وعي الطفل ويساعده على الارتقاء؟
إن التربية عملية طويلة تحتاج إلى جهد متواصل، لأنها عملية بناء. فأبناؤنا لا تنقصهم القدرات ولا يعوزهم الذكاء بل الاهتمام بالتربية المتوازنة وتكون قمة سلم الضروريات، فإن تدنى مستوى التعامل لا حق لنا أن نتوقع من أطفالنا اتزاناً ولا طمأنينة¡ بل الحال إلى العكس من ذلك تماماً سوف تصبح نفسية الطفل مضطربة خائفة؛ فينشأ الطفل كثير التردد ضعيف الثقة بالنفس لا يثبت على سلوك ولا يعترف بخطأ؛ لأن المقياس الثابت تمييز الصواب من الخطأ.
فمن الخير لنا أن نلتزم بقواعد سلوكية ثابتة حتى يسهل على الصغار سلوكهم، ويشعر كذلك كل من يتعامل معنا أن قراراتنا قد أعدت ودرست بما فيه الكفاية، بل هذه أفضل صورة ممكنة لها، عندها نكون قد بنينا الثقة على أسس ثابتة، وسوف تقوى هذه الثقة كلما تأكد الطفل من صحة قراراتنا وصدقها، والأهم الطفل المقلد الأول لنا وعلينا أخذ هذه النقطة بإيجابية.
أما بالنسبة للثناء والعقاب: علينا أن نحسن استخدامهما، ولعل آثار المبالغة في الثناء وكيل المديح لا تقل سلبية عن آثار الإهمال التام، والحقيقة أننا عندما نشجع الآخرين إنما نشجع أنفسنا، وذلك لأن أعمالهم جاءت مطابقة لما أردناه أو لما يمكن أن نفعله نحن لو كنا مكانهم، وعلينا ألا نعاقب الطفل حتى يقر بخطئه.
فبرامج التنمية البشرية بالنسبة للفئة المستهدفة تساعد الطفل على تشكيل وعي لديه وتساعده على الارتقاء والإبداع، فنبدأ بالإيجابية في الحوار، ومن المفيد لنا ألا نوجه أوامرنا كلها بلفظ سلبي: «لا تفعل، لا تلعب، لا تأكل، لا تتكلم»، فإن ذلك يولد عند الطفل رد فعل قوي ويدفعه إلى العناد دفعاً، وقد تفيدنا عبارات إيجابية مثل «من الخير لك..، من الأفضل لك..، لعل ذلك يناسبك أكثر..، سيكون ذلك جميلاً»، «فإن ذلك سيشعر الطفل بالرضا والراحة النفسية! أدخل بعض الترفيه في حياتك، فضحكاتكم معاً على موقف قمت به أنت أو ابنك يسهم في تقوية علاقاتكم.. عبّر عن رأيك بوضوح، واستخدم كلمة «أنا أشعر»، «أنا لا يعجبني»، وامزج آراءك بالكثير من كلمات الحب مثل «أنا أحب»، «ونعتمد ببرامجنا على اللقب الإيجابي: حاول أن تدعم طفلك بلقب يُناسب هوايته وتميزه، ليبقى هذا اللقب علامةً للطفل، ووسيلةَ تذكيرٍ له ولمربِّيه من أجل التطوير (عبقري) – (نبيه) – (دكتور) – (مُصلح) – (فهيم).

نتعرض في حياتنا اليومية للكثير من الضغوطات والمشاكل¡ قد تؤثر علينا بشكل سلبي نفسيا وجسديا¡ كيف نستطيع تخطي ذلك؟
راقب حياتك لتجد أكثر ما يسبب لك الضغط النفسي وحاول أن تغير منه أو أن تغير من تعاملك معه وتقبلك له، فإن كان العمل هو ما يسبب لك الضغط النفسي وكنت غير قادر على تغيير هذه الوظيفة فيمكنك عندها تغيير أفكارك السلبية عن هذا العمل، أو تغيير ردود أفعالك تجاه ما يسبب لك التوتر في العمل، يمكنك أيضاً أن تضيف بعض الأمور التي من الممكن أن تجعل العمل مكاناً مفضلاً لديك، حيث تصبح قادراً على تقبل العمل واكتساب الأفكار الإيجابية عنه.
خذ نفساً عميقاً كلما شعرت بالضغط يتسلل إليك ويتمكن منك، فالنفس العميق له قدرة على خفض التوتر، أغمض عينيك وابتسم أثناء التنفس بعمق.
تحدث إلى شخص تثق به عن الأمور والمشاكل التي تمر بها، فتفريغ المشاعر السلبية له دور كبير في التخفيف من أعراض الضغط النفسي¡ إن لم تكن تفضل التحدث إلى شخص ما، فيمكنك عندها كتابة كل ما يزعجك أو يقلقك أو يسبب لك الضغوط على مفكرة يومية كلما شعرت بالضغوط النفسية.
من أكثر ما ينبغي الانتباه إليه لتقليل التوتر هو أن يكون الإنسان واثقاً بنفسه، فالثقة بالنفس هي سبيل النجاح والرفعة وهي سبيل التقليل من التوتر، فالواثق من نفسه يكون التوتر عنده في حدوده الدنيا، حيث إنّه يكون قادراً على أن يتمالك أعصابه ويفكر بإيجابية كبيرة جداً، فيستطيع بذلك أن يتغلب على كل مخاوفه وتردده.
الاختلاط بالناس قد يكون سبباً في تقليل التوتر، حيث إنّ الشخص الاجتماعي القادر على مخالطة الناس بأفضل صورة، هو إنسان قادر على أن يقلل من التوتر الذي ينتابه عندما يهم بالقيام بأمر معين، ومن ثم فإنه سيكون قادراً على أن يزيد من ثقته بنفسه، ومن ثم سيقل التوتر عنده.

ما تأثير التفكير الإيجابي في حياتنا؟
«من المحتمل أنك لا تستطيع التحكم في الظروف ولكنك تستطيع التحكم في أفكارك، فالتفكير الإيجابي يؤدي إلى الفعل الإيجابي والنتائج الإيجابية»، فالحياة التي تعيشها الآن ليست إلا انعكاساً لأفكارك وقراراتك واختياراتك سواء كنت مدركا لذلك أم لا ولو أخذت المسؤولية تكون قد بدأت الطريق إلى التغيير والتقدم والنمو.
التفكير السلبي أخطر مما يتصور أي إنسان فهو يجعل الحياة سلسلة من المتاعب والأحاسيس والسلوكيات السلبية والنتائج السلبية مثل: الأمراض النفسية والعضوية والشعور بالضياع والوحدة قد يؤدي للإدمان إن لم يكن هو الإدمان ذاته مثل: (أنا فاشل وتعيس، لا أحد يحبني، أشعر بالضياع والوحدة، أريد ما يخرجني من هذه الدوامة، سأجرب المخدرات. فنحن عبارة عن مغناطيس إذا أرسلت أفكاراً إيجابية ترجع لك أفكاراً إيجابية ومزهرة والعكس صحيح، فهذا يعطينا الضوء للإنجاز ولتحقيق أهدافنا بكل كفاءة وفاعلية وإنتاجية. فـــ«كل أزهار الغد موجودة في بذور اليوم وكل نتائج الغد موجودة في أفكار اليوم».

في الختام ما النصائح التي تقدمينها لمن يريد النجاح وتحقيق الهدف؟
رؤية الإنسان لنفسه وقدراته تشكل حلقة الوصل مع رؤيته للحياة من حوله لتحديد أهدافه. ومحور رؤية الإنسان لنفسه يقوده بداية للتعرف إلى نفسه، يحدد مواضع قوتها وضعفها، يعلّم نفسه ما تحتاجه لتحقيق أو السير في تحقيق الأهداف التي يراها. ليس تحديد الهدف هو السؤال الصعب، ولكن الرؤية التي سيتحدد عليها الهدف هي التي تطلب جهداً وإخلاصاً وصدقاً.
وجود هدف أو أهداف في حياتنا، هو الذي يجعلنا نعرف على وجه التقريب ما العمل الذي سنعمله غداً ويساعد على أن نتحسس باستمرار الظروف والأوضاع المحيطة، ما يجعلنا في حالة دائمة من أن الذي لا يخطط يحدث له الأمر قدراً، أما المخطط فرؤيته الواضحة وهدفه المحدد يجعلانه يضع خطة زمنية لكل مرحلة من مراحل تحقيق الهدف. وفي جميع تدريباتي أردد دائماً هذه العبارات: «راقب أفكارك تتحول إلى كلمات، راقب كلماتك تتحول إلى أفعال، راقب أفعالك تتحول إلى عادات، راقب عاداتك تتحول إلى واقع ومصير حياة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن