من دفتر الوطن

احتكار «تشرين»!

| عصام داري

استهلت المذيعة حياة مكارم فترتها الصباحية في إذاعة صوت الشباب صبيحة السادس من تشرين(أكتوبر) بالحديث عن حرب تشرين التحريرية، وكانت منصفة عندما أعطت شرف الانتصار للجيشين العربيين السوري والمصري.
هذا أمر طبيعي، فالحرب كانت قراراً سورياً – مصرياً ولم تكن قراراً سورياً أو مصرياً، ومن يكتب أو يتحدث عن هذه الذكرى، أو الحرب التي اعتبرت الحرب العربية الأولى على إسرائيل، فعليه أن يكون موضوعياً ومنصفاً.
لكنني من خلال متابعتي لوسائل الإعلام المصرية هذا العام، وفي كل عام، كان الأشقاء المصريون يحاولون احتكار انتصارات حرب تشرين، أو أكتوبر، وينسبونها لمصر والجيش المصري وحده، من دون أدنى إشارة إلى الجبهة الشمالية ومعارك الجيش السوري في الجولان، وكأن ما حدث كان مجرد حرب مصرية على العدو الإسرائيلي.
هذا الأمر ليس جديداً بل يعود إلى تلك الأيام التي جرت فيها هذه الحرب المجيدة، فكان الرئيس المصري أنور السادات يعلن من فوق المنابر أنه هو صاحب قرار الحرب، وهذا فيه الكثير من الإجحاف والتعالي ونكران الجميل، وتجاهل الوقائع والمعلومات، والكثير من التضليل!
حينها لم يرد الرئيس الراحل حافظ الأسد على أنور السادات، فليس من عادة الكبار الرد على ترهات صغيرة، على الرغم من أنها تزييف مفضوح للواقع، وتزوير كامل الأوصاف للحقيقة.
وسأروي باختصار ما جرى في موسكو في الثامن من تشرين الأول من العام 1980 عندما وقع الرئيس حافظ الأسد معاهدة الصداقة والتعاون والدفاع المشترك بين الاتحاد السوفييتي وسورية، حينها وفي حفل العشاء الذي أقامه الرئيس السوفييتي ليونيد بريجينيف، قال الرئيس بريجينيف: دعونا نشرب كأس الرئيس السوري المبجل الذي يصادف يوم ميلاده في السادس من أكتوبر(تشرين الأول)، فابتسم الرئيس الراحل وقال لوزير الدفاع حينذاك مصطفى طلاس: ليعرف السادات من اختار يوم وساعة الصفر في حرب تشرين.
الرئيس الراحل من مواليد السادس من تشرين الأول من العام 1930، وهو الذي حدد يوم الحرب وقرارها، ولم يعلن ذلك أو يتفاخر، بل إن الكثيرين لا يعرفون هذه الحقيقة حتى اللحظة، بل أكثر من ذلك، فقد وافق الرئيس الأسد على تأجيل ساعة الصفر التي كان مقررا أن تكون فجر يوم السادس من تشرين، إلى الساعة الثانية بعد الظهر كي يفيد الجيش المصري من وضع الشمس التي تكون في تلك الساعة في وجه الجيش الإسرائيلي وليس في ظهره، لتسهيل عملية عبور قناة السويس، مع العلم أن قرار التأجيل يؤثر سلباً في الجيش السوري الذي سيحارب والشمس في وجهه.
ليس عيباً أن ينصف الإعلاميون المصريون سورية وجيشها، وألا يحاولوا احتكار حرب تشرين التحريرية وتشويه الحقيقة، بل العيب ألاّ يرد ذكر لسورية ودورها في تلك الحرب.
وبالمناسبة فإن الإعلام المصري اليوم يبرز بطولات الجيش المصري وقوات الأمن في حرب مصر على الإرهاب، ويصورون حربهم وكأنها الحرب الوحيدة التي تخاض على هذا الكوكب على الإرهاب، ولا يشيرون ولو مجرد إشارة إلى حرب سورية على الإرهاب التي راح ضحيتها مئات آلاف الشهداء والمصابين.
قليلاً من التواضع أيها الأشقاء والشركاء في الحرب والتاريخ، والتواضع لا يضيركم في شيء، بل يمنحكم المزيد من الاحترام!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن