ثقافة وفن

من أمراض العصر

| د. اسكندر لوقــا

من الأمور المتفق عليها في أي مجتمع من المجتمعات الحضارية أن التخمة غدت ظاهرة سلوكية غير مستحبة في الغالب، وذلك لمقاربتها مرضا فيزيولوجيا يصيب الإنسان وأحياناً كثيرة بالوراثة.
إن هذه الظاهرة، بفعل مشاهدتها، تحت أي ظرف اجتماعي لا بد أن تستدعي النفور وخصوصاً في بيئة يأكل أبناؤها كي يعيشوا ولا يعيشون كي يأكلوا!
ثم إن أسوأ ما في التخمة هو أن المصاب بها، لأي سبب، ينقلب تدريجيا إلى مجرد كيان بشري بين آخرين بعيدين تماما عن هموم الأكل والشرب لمجرد الأكل والشرب. وفي المشاهد التي كثيراً ما ترى في حفلات الكوكتيل «على سبيل المثال» ما يجسّد طغيان ظاهرة التخمة على ما عداها عند البعض من الذين لا يعرفون الشبع وغالبا ما يشبّهون بالبلهاء. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن المعدة إذا امتلأت أكثر من حاجتها غدت مجرد وعاء لا معدة لها وظيفتها المحددة في الجسم البشري.
وبطبيعة الحال، إن الغرض من هذه الرؤية ليس التقليل من أهمية جمع الناس، بعضهم إلى بعض، في مناسبة إحياء مناسبة عائلية أو غير عائلية، وفي مكان عام، بل الغرض منها الإشارة إلى جشع البعض كأنهم قادمون من بلاد الجوع إن صح التشبيه.
قد يقول البعض إن شهية الفرد منا «تنفتح» بوجوده بين هذا الجمع أو ذاك من حضور المناسبة، ومع ذلك يبقى هذا الانفتاح بعيداً عن السلوك الاجتماعي الطبيعي الذي يحدد متى يجب أن يتوقف أولا يتوقف الإنسان عن فعل ما قد ينتقص من قدره خصوصاً في مكان عام وأمام الناس.
إن فكرة الكوكتيل فكرة اجتماعية راقية بالتأكيد، لأنها تذكّر بمناسبة تستحق التوقف عندها، سواء أكانت مناسبة عائلية أم غير عائلية، ومن أجل الحفاظ على رقيها، لا بد أن تتوافر ثمة شروط، في مقدمها احترام المناسبة لا اعتبارها فرصة قد لا تعوض ومن ثم يجب انتهازها لملء المعدة، كما هو الحال، أحياناً، في سياق بعض المناسبات الاجتماعية في الوقت الراهن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن