ثقافة وفن

العين والمعتقد الشعبي: عين الحسود فيها عود

| منير كيال

يدلّ المعتقد الشعبي على تكيّف الإنسان مع البيئة بحدود ثقافته ووعيه، لكون هذا المعتقد يحمل إرث الشعب، من أصالة وحضارة.. أكان ذلك بالقول أم بالعمل. وذلك بإطار التقاء الماضي بالحاضر والفكر بالخيال وإذا كان من التعاويذ والرّقى ما يتعلق بإبطال مفعول الحسد، لعهود سحيقة من التاريخ، فقد كانت العين أبرز مظاهر الإصابة بالحسد.

ذلك أن دارسي التراث الشعبي، لا يستطيعون تجاهل التطورات التي تطرأ على السلوك التقليدي للإنسان لأن تلك التطورات إنما هي إحياء لممارسات قديمة في ثوب معاصر يتلاءم مع ظروف العصر ومتطلباته مع الأخذ بعين الاعتبار احتمال ارتباط ذلك التطور بتلاقح ثقافي مع بيئة أخرى معاصره. لأن أيّ سلوك ذي ممارسة جديدة لا يمكن أن يقبلها الوجدان الجمعي ما لم تكن مقبولة أو مستجيبة للأوضاع التي طرأت على المجتمع ومعطيات حياته المعاصرة.
وكان من الأمور التي رصدها باحثو التراث الشعبي، والتي أخذت تتقوقع بزوايا النسيان ما يتعلق بالعين، بما كان يدور بخلد الإنسان بشأنها نتيجة للتطور الذي طرأ على حياة الناس.
فقد كانت العين بالمأثور الشعبي ترتبط بجملة من المعتقدات الشعبية التي تتولد عنها ممارسات وتحفظات سلوكية قد تبدو غريبة بمعطيات الحياة المعاصرة فقد كانوا يتطيرّون من حضور المرء الذي عيناه زرقاوان وأسنانه الأمامية متباعدة. ويقول في ذلك:
عيونه زرق وسنانه فَرِق
وكانوا يقولون إذا نظرت إحداهن من ذات العيون الزرق والسنان الفرق إلى الوليد أو نحو ذلك:
حصنتك بآيات الله. من العين المئذية (من الأذى) وقد يتبعون ذلك بقولهم:
«حندق بندق، عين تشوفك وما تصلي على النبي (ص) تطقّ وتنبق» أي تخرج من محجرها ومن أدعيتهم التي يعتقدون أنها ترد العين:
أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة وعين لامة. ثم يصلون على النبي (ص) بقولهم:
«بسم الله وما شاء الله، لا قوة إلا بالله، الهم صلّي على النبيّ خزيت العين».
«يا ناظراً لي نظرة حسد، شكيتك لواحد أحد».
ومنهن من يعمدن إلى تعاويذ تستنجد بقوى ما وراء الطبيعة لأن للعين حقها حتى بالحجر، وخوفاً من أذى نظرة العين كان من الأمهات من تعمد إلى وضع خرزة زرقاء على صدر وليدها أو على غطاء رأسه، وقد تضع الأم أيضاً لوليدها، أحد الأحجار الكريمة كالعقيق والخرز لردّ نظرة عين الحاسد عن طفلها فضلاً عن ذلك. قد تعمد الأم التي تشك بنظرة امرأة أخرى، إلى أخذ شيء من ثياب تلك المرأة، وتعمد إلى حرقها، كناية عن حرق تلك المرأة الحاسدة.
ويمكن أن نضيف إن من الأمهات من كانت تتخوف من نظرة المرأة التي شعرها قليل أو خفيف حول أذنيها، وقد يكون ذلك التخوف أكثر من الخوف من نظرة عين الحاسد أو نظرة ذات الأسنان الأمامية المتباعدة بفمها!
ومن أمثلة ذلك ما نلحظه بالسجلات التاريخية الكلدانية والفارسية والمصرية واليونانية، كما عرف العرب بالعصر الجاهلي، ولا يزالون بشتى أقطارهم دور (العين الشريرة الحاسدة، والعمل على الوقاية بشتى الأساليب التقليدية.
ولعل من الممكن القول، والحال هذه بارتباط العين بجملة من المعتقدات الشعبية التي جعلت جانباً من حياة الإنسان يحبّه ويحنو إليه، وجانباً آخر يتحاشاه لآثاره السلبية، وهذا جعل الإنسان يميز بين قوى الخير، وقوى الشر.
ونذكر على سبيل المثال، أن المرء إذا كان معكر المزاج فإن ذلك يعود إلى الوجه أو الإنسان الذي صابحه لذلك يقولون عن حال هذا الرجل:
أبصر بوجه مين متصبح.
وبهذا السياق، فإنهم يقولون:
يللي بدك تصابحه لا تقابحه.
بمعنى أن تقابله بابتسامة.
لأن المرء يعرف محبّه من عزوله من نظرة العين وبذلك قولهم:
عين المحب من عين العزول تبان أي تظهر.
ويجدر بنا الإشارة إلى شعور المرء ببرودة العين عندما تقع عيناه على إنسان أثير على قلبه.. ولذلك فإن المرء يعبر عن محبة إنسان آخر بقوله:
عيني عليك باردة.
وبالطبع: فإن القصد من ذلك القول.. أن يحفظ الله ذلك الإنسان من كل مكروه.
فضلاً عن ذلك فقد كان العديد من الناس، إلى عهد قريب، يرون أن العين طمّاعة، ولا يشبعها إلا التراب ونجد في القصص الشعبية ما يشير إلى ذلك، ومن ذلك: أن عينا وضعت بكفة ميزان، ووضع بكفة الميزان المقابلة أو الأخرى ما لا يقدّر من المال والمجوهرات فلم يعادل ذلك كله وزن العين. وعندما وضعوا بكفة الميزان (التي وضعت بها المجوهرات) كمية من التراب، تساوت كفتا الميزان، فقالوا:
لا يشبع العين إلاّ التراب.
ومن طريف ما يذكر، أن الأم إذا ولدت مولوداً ذكراً أي صبياً، على عدد من البنات، أن تعمد الأم إلى إطلاق اسم أنثوي على الطفل غير اسمه الحقيقي بل أيضاً إلباسه ملابس البنات، وتضع بيده سواراً، وفي عنقه طوقاً من الخرز أو العقيق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن