الأولى

العملية السياسية ليست الحل

| بيروت – محمد عبيد

هل «العملية السياسية» لحل الأزمة في سورية مازالت أولوية بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية التي رعت الإرهاب ودعمته واستثمرت فيه.
تساؤل فرضته مضامين اللقاءات الجانبية التي عُقِدت على هامش اجتماع «المجموعة الدولية المُصَغرة حول سورية» مع المبعوث الأممي الخاص حول سورية ستيفان دي ميستورا وفريق عمله في جنيف في الرابع عشر من شهر أيلول الفائت.
ولعل اللقاء الأبرز هو الذي حصل بين وفد ما يسمى «المعارضة» أو «المعارضات» مع المبعوث الأميركي الجديد إلى سورية ونائب مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى جويل رايبيرن، حيث فوجىء الوفد المذكور بتركيز المبعوث رايبيرن على ضرورة مواجهة إيران وتطويقها في المنطقة، كذلك السعي إلى إخراجها من سورية كأولوية مطلقة لدى الإدارة الحالية.
وهو المضمون نفسه الذي طغى على محادثات دي ميستورا وفريقه مع المبعوث الخاص لوزارة الخارجية الأميركية جيمس جيفري وجويل رايبيرن، إضافة إلى البحث في عناوين ما سُمي ورقة «إعلان مبادىء» التي لم تُخفِ أولويتين أساسيتين بالنسبة لمجموعة الدول السبع وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، وهاتان الأولويتان هما: «قطع علاقة سورية مع ما وصفوه بالنظام الإيراني وأذرعه العسكرية»، طبعاً المقصود بذلك أولاً وأخيراً حزب الله، ثم «التزام سورية بعدم تهديد جيرانها» من دون تحديد نوعية هؤلاء الجيران وماهية موقف سورية منهم، أو بالأصح تَقَصُد تعميم عنوان «الجيران» كي يتضمن كيان العدو الإسرائيلي على اعتباره جاراً جغرافياً بحكم الواقع.
الخلاصة الأعمق والأوضح في الوقت عينه مما جرى في هذين اللقاءين ولقاءات سبقتهما وأخرى ستتبعهما، أن الأطراف الدولية والإقليمية التي تقدم نفسها على أنها مهتمة برعاية العملية السياسية لتسريع الحل في سورية، تريد أن تكون الطرف المفاوض على الجهة المقابلة من طاولة الحوار السوري- السوري المفترضة في مواجهة وفد الحكومة السورية، وهذا يعني أن لا مقاعد محجوزة لما يسمى «المعارضة» لأنها لن تكون قادرة على طرح مطالب تلك الأطراف وشروطها، ما ينهي الجدل حول استقلالية هذه «المعارضة» ووطنيتها وتمايز أجندتها السياسية عن الأجندة الدولية والإقليمية العدائية والتآمرية على سورية.
لذلك كله، تبدو عملية اختيار أسماء الشخصيات «المُعارِضة»، التي من المفترض أن تشارك في الحوار الموعود، وانتماءاتهم الحزبية والسياسية غير ذي معنى، ما دام جدول أعمال هذا الحوار لن يكون من صنعهم كما أنه لن يصب في خدمة المصلحة الوطنية السورية العليا، إضافة إلى أنه ووفقاً لكثير من الأوراق التي تتداولها مرجعيات إقليمية ودولية، فإن ما يتم إعداده في الكواليس يشي بالسعي لتجاوز روح ونص قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، والانتقال إلى البحث في صياغة حل مشابه للتسوية اللبنانية التي أُنجِزَت في مدينة الطائف السعودية قائم على «تطييف» الواقع السياسي السوري.
وفي هذا الإطار، جالت وفود أوروبية على مرجعيات وقيادات حزبية لبنانية مستطلعة آراءها حول إمكانية استنساخ «الصيغة اللبنانية» والاستفسار عن احتمال نجاحها، وخصوصاً لجهة تقاسم الصلاحيات في السلطة إضافة إلى توزيع المواقع والمناصب على أسس طائفية.
يبدو أن القوى الدولية والإقليمية التي خططت ودبرت ومولت هذه الحرب الإرهابية الكونية على الدولة السورية وشعبها وقواها المسلحة لم تقتنع بعد أنها ستخرج خاسرة من هذه الحرب، وأن سورية بكل مكوناتها الوطنية خرجت منتصرة، ومن ثم فإن البحث في تغيير الدستور أو تعديله هو حق حصري للشعب السوري الذي صمد وضحى وواجه هذه الحرب حتى انتصر.
أما اللجنة الدستورية التي يفترض أن تكون مولجة بهذا البحث، فمكانها الطبيعي داخل الأطر الوطنية والمؤسسات الحكومية والتشريعية التي حمت مشروع الدولة في سورية من الانشقاقات والتشرذم والانهيار، وكل ماعدا ذلك ليس سوى محاولات متأخرة من أعداء سورية للاستثمار في ما تبقى من ما يسمى «المعارضة الخارجية» لتمرير حل سياسي يطال موقع سورية الوطني والقومي المقاوم ودورها الإقليمي في مواجهة العدو الإسرائيلي والمشروعات الأميركية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن