ثقافة وفن

يوم العرس الشامي

 منير كيال : 

في يوم العرس يذهب العريس إلى الحلاق، فيقص له شعر رأسه، ومن ثم يرافقه بعض ذويه وصحبه إلى الحمام ويتخلل حمام العريس جو من البهجة والحبور والطرب والمرح، وبعد عودة العريس إلى المنزل، يستقبل مع والده الضيوف من رجال الحي والصحب والأقارب إلى طعام الغداء، وخلال ذلك يدعو والد العريس ضيوفه إلى حضور حفل التلبيسة والاشتراك بالعراضة بعد صلاة العشاء.

وفي مساء ذلك اليوم تكون دار أهل العروس مزدانة لاستقبال ذوات أهل العريس القادمات لأخذ أو اصطحاب العروس إلى حفل زفافها.. وذلك بالطبع فضلاً عن المدعوات إلى الحفل، فتصمد العروس على أريكة مرتفعة بحيث يراها الجميع بعد أن تعمد الماشطة (التي غالباً ما تكون دايتها) إلى ترجيل شعر العروس، وتضميخها بالعطور المميزة كما تشبك شعر العروس بالمجوهرات وخاصة ما كان منها من الألماس، كما تزين جيد العروس ومعصميها بالمجوهرات الذهبية من دمالج وأطواق مرصعة بالأحجار الكريمة، كما تزجج حاجبي العروس.
وتعمد الخياطة إلى تلبيس العروس كسوتها (فستان العرس) ثم تسدل على وجهها غلالة من التول، وعندئذ يطلب إلى العروس الرزانة وعدم الحركة والتلفت، فتبادر المدعوات إلى مشاهدتها.. وتنبري إحداهن إلى ذر الملح على العروس وتحصينها بآيات الله والدعاء بخزي عين الحسود، كما تقوم إحداهن بتبخيرها بدخان عود البخور. وفي جميع هذه المراحل لا تنقطع الزغاريد ومن ذلك: أوها:
سبع بقج (صرر ملابس) بقجت لك.
والثامنة بالصندوق
وتسلم ذقن أبوكي
يللي ما حاجك لمخلوق
فإذا وصلت عربيات حنطور أهل العريس لاصطحاب العروس، وهنّ على الأغلب من والدة العريس، إحدى شقيقاته.. عماته.. خالاته، يستقبلن بالزغاريد، في حين ينفرد والد العروس بابنته مع بعض محارمها لوداع العروس وإسداء النصح لها، ثم تنفرد والدة العريس أو من يقوم مقامها بالعروس ومعهن الداية (القابلة) لاستلام عفة (بكارة) العروس، وبعدها تنطلق عربات الحنطور بالعروس مع أهل العريس وأهل العروس والمدعوات إلى حفل العرس بحيث تخصص عربة للعروس وبرفقتها والدتها ووالدة العريس وجدته أو خالته وشقيقة له فضلاً عن الداية، وتكون عربة العروس في مقدمة الموكب ومن خلفها العربات الأخرى.
وحال وصول الموكب إلى دار العريس يوضع لها كرسي تقف عليه وبيدها قطعة من العجين فتلصق تلك العجينة على سقف الباب تيمناً في أن يكون مقدمها فأل خير وبركة، وتدخل الدار فتستقبلها المدعوات بالزغاريد كقولهم: أوها:
امشي دقة دقة
ويا صنوبر منقى
كل الفرحات بطالة
إلا هالفرحة من حقا..
ويجري استقبال للعروس بما يعرف بالتفتيلة حيث تنتظم المدعوات في حلقات دائرية متتالية وبأيديهن الشموع وأضاميم الورد فيدرن حول العروس، وتنفرد إحداهن بغناء الهيها وهن يرددن وراءها عقب كل مقطع تغنيه عبارة الهيها.
وحال الانتهاء من التفتيلة تصمد العروس على الأسكي وهو عبارة عن أريكتين على مكان مرتفع بحيث يراهما الحضور ووراء تلك الأريكتين أضاميم الورد والزهر، وتكون أريكة للعروس والثانية للعريس، إذا صمدت العروس على الأسكي تكون غلالة التول مسدولة على وجهها، وتجلس بلا تلفت ولا حراك أو كلام (رزانة) على حين يستمر الحفل بالزغاريد والغناء والرقص ومن أشهر ما يغنين أغنية اسم الله اسم الله يا زينة ويكون أداؤها على طريقة الهيها المذكورة، ومن تلك الأغاني أيضاً: عالدادا لي عالدادا لي وأغنية النايمة.. ويستمر هذا الوضع حتى قدوم العريس.

من حفل التلبيسة بالعراضة
فبعد إلباس العريس شباب العرس يخرجون به إلى دار حفل العرس بالعراضة، وهي على شكل موكب شعبي يشارك به وجهاء الحي وإمام المسجد وأهل العريس وصحبه، ويتقدم ذلك الموكب صبيان الحي بعراضتهم ثم طائفة الشبان العزاب يليهم طائفة المتزوجين ومنهم من يحمل الفوانيس المضاءة في صفين على شكل هلال يتوسطه جماعة العريس.. ويبدأ سير هذه العراضة بعقد راية العريس والحضور، فيصبح عكيد العراضة (رئيسها أو الوصاف).
• والعادية (الويل لمن يعادينا)
فيرد الجميع: وهيه.
ثم يقول الوصاف:
يا سامعين الصوت صلوا عالنبي (ص)، كانت راية.. راية رسول الله البيضة المجلية.. وراية الشيخ أرسلان حامي البر والشام وراية أبو فلان وأبو.. وأبو.. معدداً بذلك الحضور من الوجهاء وأهل العريس، ويختم ذلك بعبارة..
• وبيض الله..
فيرد الجميع:
• وشوه (وجهه).
فإذا وصل موكب العراضة تعقد راية العريس والحضور وتجري ألعاب السيف والترس للرجال، وألعاب الحكم (بالعصي) للصبيان ثم تنطلق العراضة مرددة أهازيج العرس حتى وصول الموكب إلى دار حفل العريس، فتعاود ألعاب السيف والترس ولعبة الحكم. وتتردد الأهازيج الخاصة بالعرس ومن ذلك:
• دلي دلوك- يا مليحة- هاوديني- ادللي يا عيني- ودودلاح- يا دود لاح- ولا تفرّع له-.. ويختلط ذلك بزغاريد النسوة في حفل العرس ولا يدخل العريس إلى حفل العرس حتى تقدم العراضة أهزوجة: شنيك ليلة (بمعنى الليلة ليلة، أفراح لأن الشنيك إنما هي ألعاب نارية تطلق بمناسبة الأفراح والمناسبات السعيدة عموماً).
فإذا انفضت العراضة يمسك به والده أو عميد أسرته ويدخله منزل حفل العرس على قفاه، أي ظهره إلى داخل المنزل وسط زغاريد النسوة، فتعضده عن يمين وعن شمال اثنتان من أقرب الناس إليه، وتتقدم والدة العروس بابنتها من العريس، ويشق الجمع طريقه إلى الأسكي (المنصة) الخاص بالعروسين، فتتقدم قريبات العريس وتلصق كل منهم الدراهم على جبينها بعد أن يبادر العريس إلى كشف الجلوة (غلالة التول) عن وجه عروسه.. ثم تتقدم إحدى قريبات العريس وتقفل بين راسي العريس والعروس قفلاً أملاً بعدم الانفصال.. ثم تذهب الماشطة بالعروس إلى غرفة خاصة فتغير لها ملابسها وتضع على رأسها عمّة كبيرة وتمسكها سيفاً مسلولاً، وتتقدم العروس من العريس، فيأخذ منها السيف ويضربها على رأسها ببطء ثلاث ضربات، ثم يتركان الحفل إلى غرفة يستقبلان فيها والد العريس ووالدة العروس لتقبل التهاني. ثم ينفردان، ويقدم العريس لعروسه هدية من الذهب، أو النقود يطلق عليها ثمن شعر العروس. وفي الصباح تقبّل العروس يد والد العريس ويد والدته فتقدم العروس لكل منهما هدية للذكرى ويقدم والد العريس للعروس هدية تعرف باسم الصبحية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن