قضايا وآراء

ما عاد الأكراد في العراق «بيضة قبان»

| أحمد ضيف الله

انتخب برهم صالح رئيساً لجمهورية العراق في جولة الاقتراع الثانية من جلسة المجلس النيابي المنعقدة في الـ2 من تشرين الأول الحالي، بأغلبية 219 صوتاً من أصل 302 نائباً حضروا الجلسة، مقابل 22 صوتاً لمنافسه فؤاد حسين مرشح الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث لم يتمكن برهم صالح مرشح حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في جولة الاقتراع الأولى من تحقيق أغلبية ثلثي أصوات نواب المجلس البالغ عددهم 329 نائباً، إذ حصل على 165 صوتاً، مقابل 89 صوتاً لفؤاد حسين. فيما حصل كل من المرشحين الذين بلغ عددهم 19 مرشحاً: سروه عبد الواحد على 18 صوتاً، وعباس محمد على 4 أصوات، ومنقذ عبد اللطيف 2 صوت، نوار سعد 2 صوت، وثائر غانم على صوت واحد، إضافة إلى 13 ورقة باطلة، و8 أوراق فارغة. وبذلك أصبح برهم صالح تاسع رئيس جمهورية منذ أصبح العراق جمهورياً في الـ14 من تموز 1958، حيث تولى رئاستها كل من محمد نجيب الربيعي وعبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف وأحمد حسن البكر وصدام حسين وغازي عجيل الياور وجلال الطالباني وفؤاد معصوم. ويُعد برهم صالح الرئيس الرابع بعد سقوط نظام صدام حسين في نيسان 2003.
وفيما رحبت كل الكتل النيابية بانتخاب صالح، اعتبر رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود بارزاني ما جرى «مخالفاً للأعراف المتبعة في انتخاب رئيس الجمهورية في الدورات السابقة، فكان ينبغي أن يتم اختيار مرشح كردي من أكبر كتلة أو أن تحسم الكتل الكردية الأمر. الآلية المتبعة حالياً ليست مقبولة على الإطلاق، وسيكون لنا موقفنا منه قريباً»، الذي تتالت بعده تصريحات قادة حزبه التي اعتبرت أن «هذا المنصب وطريقة اختيار شاغله هذه المرة لا يمثلان شعب كردستان ولا استحقاقاته، وقد فُتح بهذا باب في وجه الآخرين ليقرروا من الذي سيحظى باستحقاقنا، بدلًا من أن يقرر ممثلو شعب كردستان ذلك»، وأن ما جرى ضرباً وتخريباً للتوافق بين القوى الكردية.
لقد عمق انتخاب برهم صالح الانقسام الحاد بين الحزبين الكرديين الحاكمين في إقليم كردستان، الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، وكان بمثابة زلزال عنيف ضرب صميم العلاقات المترنحة أصلاً بينهما، ما سيوسع من فجوة الخلافات فيما بينهما على تقاسم المناصب في إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، خاصة بعد الإعلان الجزئي عن نتائج انتخابات برلمان الإقليم التي جرت في الـ30 من أيلول الماضي، والتي حصل فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني على نحو 44 مقعداً مقابل 19 مقعداً للحزب الوطني الكردستاني من أصل 111 عدد مقاعد البرلمان، في ظل اتهام كل منهما الآخر بالتزوير والتلاعب بالعملية الانتخابية، واتهام باقي الأحزاب الكردية للحزبين الحاكمين الرئيسيين بالقيام بعمليات تزوير واسعة.
إن نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت في الـ12 من أيار الماضي، التي حصل فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني على 25 مقعداً، مقابل 20 مقعداً للاتحاد الوطني الكردستاني، والنتائج الأخيرة لانتخابات برلمان إقليم كردستان، أرست قناعة لدى الحزب الديمقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود بارزاني بأنه زعيم الشارع الكردي، ومن حقه أن يكون ممثله فؤاد حسين رئيساً للعراق، خاصة بعد أن بات الاتفاق الإستراتيجي المشترك المبرم بين الحزبين عام 2005 الذي ينظم العلاقات بينهما، والذي على أساسه تقاسما المناصب في الدولة والإدارة في الإقليم، قد بات في حكم الملغى. وبالتالي دخل الحزبان الكرديان معركة سياسية حامية للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية، حيث كثف مرشحاهما من لقاءاتهما في العاصمة بغداد، سعياً للحصول على دعم مختلف القوى والكتل النيابية، وسبب التنافس بين الحزبين حالة من التوتر والتشنج، رغم أن كل الأطراف والقوى السياسية العراقية دفعت باتجاه اتفاق الحزبين على تقديم مرشح واحد، وعملت على كسر نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية لأكثر من مرة، لمنح فرصة للحزبين الكرديين للاتفاق على مرشح توافقي واحد لمنصب رئاسة الجمهورية من دون أي جدوى. حتى إن ثلاثة اجتماعات متواصلة بين الحزبين جرت في بغداد قُبيل جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيس الجمهورية، بتدخل وضغط من جهات سياسية، فشلت، لمطالبة كل طرف الآخر بسحب مرشحه.
إن الحزب الديمقراطي الكردستاني كان يسعى من خلال الإصرار على حصول مرشحه لمنصب رئاسة الجمهورية إرسال رسالة إلى الخارج والداخل العراقي، بأن مسعود بارزاني مازال صاحب التأثير الأكبر على القرار السياسي في إقليم كردستان على وجه الخصوص، وأنه ما زالت بيده مفاتيح الحل والربط في العراق. إلا أن إصرار مسعود بارزاني على ترشيح فؤاد حسين رئيس ديوان رئاسة الإقليم المنحلة لمنصب رئيس الجمهورية، كان خطأ فادحاً، إذ لم يأخذ بعين الاعتبار مشاعر القادة السياسيين والنواب العراقييين بأن يكون رئيس جمهوريتهم السكرتير الشخصي لمسعود بارزاني! وربما تقصد ذلك، ورغم أن بعضهم نصحه بتغيير مرشحه لكي يتسنى لهم حشد الدعم له، إلا أنه تجاهل ذلك.
إن عناد واستهتار مسعود بارزاني بمشاعر العراقيين ونوابهم، والمضي قدماً بترشيح فؤاد حسين لمنصب رئاسة الجمهورية، كان سبباً رئيساً في إخفاق مرشحه بالحصول على المنصب، خاصة أن المرشح كان من الشخصيات التي وقفت إلى جانب بارزاني في استفتاء انفصال إقليم كردستان عن العراق في الـ25 من أيلول 2017، والذي قال مجدداً في مؤتمر صحفي في بغداد في الـ25 من أيلول الماضي: إن «الاستفتاء الذي أجراه إقليم كردستان للاستقلال عن العراق، لم يكن مضاداً للدستور»، وبأنه «لا توجد فقرة في الدستور العراقي تحظّر استفتاء كردستان».
وبعكس ما كان يسعى إليه مسعود بارزاني، لم يعد له ذلك التأثير على القرار السياسي في إقليم كردستان والعراق، إذ منيت كل خياراته الأخيرة بفشل ذريع، حيث كلفه الإصرار على إجراء استفتاء انفصال الإقليم عن العراق، التنحي عن منصب رئاسة الإقليم ومن ثم إلغاء المنصب. كما تسبب التمسك بمرشحه لرئاسة جمهورية العراق خسارة دعم القوى السياسية العراقية العربية له ولمرشحه التي تركت الحرية لنوابها في انتخاب من تراه مناسباً، إضافة إلى دفع شريكه الإستراتيجي حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى أن يقف موقف التحدي تجاه سياساته الانفرادية، مدللة على أن المرحلة المقبلة لعلاقاتهما ستكون مغايرة عما سلف، سواء على مستوى إدارة حكومة الإقليم أو على مستوى الخطاب السياسي الكردي، وربما سيتجه إقليم كردستان مرة ثانية إلى حكم الإدارتين المنفصلتين، واحدة في أربيل بقيادة الحزب الديمقراطي الكردستاني، وثانية في السليمانية بقيادة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني.
ومما يبدو أنه قد آن الأوان لكي يتنحى مسعود بارزاني فعلياً عن واجهة المشهد السياسي الكردي، بعد الهزائم التي مني بها، حيث لم يعد الأكراد يشكلون «بيضة قبان» في السياسة العراقية، بعد أن كانوا كذلك لسنين طويلة.
إن الذاكرة العراقية العربية الجمعية تنظر إلى مسعود بارزاني كـ«خائن» يسعى إلى تقسيم العراق وتجزئة أراضيه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن