من دفتر الوطن

فكروا قبل أن تقرروا

| حسن م. يوسف

كما النار في القش اليابس ينتشر الحديث هذه الأيام عن نية وزارة الاتصالات والتقانة القيام بتحديد حزم الإنترنت، وحجب خدمة VOIP التي تسمح بإجراء مكالمات الصوت عبر الإنترنت، أسوة بالإمارات المتحدة! ونظراً لأن هذا الموضوع يمس أعرض شريحة من المواطنين السوريين فقد اتصلت بصديق لي يعمل في هذا المجال وطلبت منه أن يصارحني بالحقيقة من دون مواربة. وقد فهمت من حديثه أن «الموضوع ليس بهذه البساطة وإنما لا يزال في مرحلة الدراسة وكل الاحتمالات قائمة».
ونظراً لأن حكومتنا العلية عودتنا أن «تقص ثم تعد» كما في النكتة الشهيرة، أود أن أضع النقاط على الحروف قبل أن يتم نقش تلك الحروف كقانون آخر يربك حياتنا أكثر مما هي مرتبكة.
يرى صديقي المهندس المطلع أن الوضع الحالي غير مقبول نظراً لوجود فئة تستخدم الشبكة استخداماً جائراً وتدفع الثمن نفسه مثل الباقين، أي إن صغار مستخدمي الإنترنت، هم الذين يمولون كبار المستخدمين وعلى رأسهم مقاهي النت وما شابه، وهدف الوزارة من تحديد حزم الإنترنت هو جعل الناس يدفعون مبالغ «عادلة».
والحق أن صديقي المهندس بذل جهداً كبيراً كي يقنعني بنبل مشروع وزارة الاتصالات، ولم يبق إلا أن يشبهها بالفارس الشهم روبن هود الذي كان يأخذ من (الأغنياء) كي يعطي (الفقراء)، بغية تمكين السواد الأعظم (ربما 70 بالمئة أو أكثر بقليل) من الاستمرار في استخدام الإنترنت من دون أن يدفعوا أي مبلغ إضافي.
أصارحكم أن كلام صديقي المهندس المدهون بالزبدة، لم يقنعني. صحيح أنه مبرر نظريا كما تبرر وزارة النفط رفع سعر البنزين لأنه يهرب إلى الخارج، فيؤدي ذلك لرفع كل الأسعار في البلد! في الختام قلت لصديقي المهندس: نظريا الكلام جميل، لكنني عملياً سوف اضطر في المستقبل لأن أدفع مثلما يدفع صاحب شركة، كي أحصل على خدمة انترنت معقولة. هذا ما سيحدث والمستقبل بيننا.
عند هذا الحد قال لي صديقي المهندس إنه لا يحب (محاكمة النيات) فقلت له إن واقع الإنترنت لا يمكن إصلاحه بالنيات ولا بالورقيات، وخاصة أن العالم يتجه نحو الإنترنت المجاني.
أما بشأن الدراسات التي تجريها الوزارة لحجب المكالمات الصوتية والمرئية عبر الإنترنت، أسوة بدولة الإمارات، بحجة تعويض خسائر مؤسسة الاتصالات التي بلغت في درعا وحدها تسعة عشر ملياراً ونصف المليار من الليرات السورية، فهي لا تصمد أمام أي مناقشة منطقية.
لا شك أننا نريد لهذه المؤسسة الحيوية أن ترمم جراحها وتستعيد كامل لياقتها كي تتمكن من مواصلة تقديم خدماتها للمواطنين، لكن حجب المكالمات الصوتية والمرئية على حد قول صديقي النبيه مهندس المعلوماتية شادي صالح لن ينفع شركة الاتصالات مادياً وسيلحق ضرراً كبيراً بمواطنيها. فمثل هذا الإجراء من شأنه أن يخدم الشركات الخارجية التي من شأنها أن تنسق بشكل غير قانوني مع أشخاص داخل سورية لتحويل الاتصال من عالمي إلى اتصال محلي عبر الإنترنت، وخاصة أن منع هذه الحالات شبه مستحيل، والنتيجة ستكون خلق استثمارات فوق الخيال في السوق السوداء داخل سورية، تمكن الشركات الأجنبية من تحقيق أرباح باهظة على حساب المواطنين.
في الختام أضم صوتي لصوت صديقي شادي وأطالب المعنيين بالتفكير جيداً قبل اتخاذ مثل هذا القرار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن