ثقافة وفن

الدمى والعرائس لبناء عقل سليم للطفل … عبد السلام بدوي لـ «الوطن»: مسرح الطفل يساعد في تكون اتجاهـات الأطفال وخيالهم

| هناء أبو أسعد

الطفولة أرض صالحة للاستنبات، وكل ما يغرس فيها مـن صفات يؤثر في حياة الطفل في شبابه، ولـذلك يجب أن نبحث عن أفضل الطرق لبنائه بناءً صحيحاً وسليماً «عقلياً وجسدياً وفكرياً»، من هذا المنطلق يحق لنا أن نسأل عن أهمية مسرح الطفل والدمى خاصة عند الأطفال، وهل تحقق الأعمال المسرحية التي تًعرض للأطفال غايتها في تقديم المتعة والمعرفة للطفل المشاهد؟ من هذه النقطة انطلقنا في حوارنا مع المخرج المسرحي عبد السلام بدوي وحدثنا عن خبرته وتجربته مع مسرح الطفل مبتدئا كلامه عن أهمية مسرح الطفل«والدمى خاصة» بالنسبة للأطفال قائلاً:

«على الرغم من تعدد وسائط أدب الأطفال، إلا أن لمسرح الطفل أهمية خاصة بین تلك الوسائط، فهو يخاطب عقول الأطفال ومشاعرهم ويعمل على إثارة معارفهم وحسّهم الحركي، ويهدف كذلك إلى إسـعاد الأطفال، والترفيه عنهم، سواء أكان العرض المسرحي من الأطفال، أم من الكبار، أم خليطا مـن الكبـار والأطفال، أو كان مسرحا بشريا أم مسرح دمى وعرائس، فهو ينقـل الحـوادث بـصورتها الكاملة أمام الأطفال فـوق خـشبة المـسرح فـي جـو مـن المتعـة تـصاحبه المنـاظر والإضـاءة والديكور فيؤدي إلى إسعاد الأطفال وإثارة حسهم الحركي فهو إذاً أحد أهم وسائل الترفيه ولكن لا يقتصر دوره على ذلك بل دوره الأهم هو التربوي والتثقيفي الذي يسهم فـي تنمية الطفـل تنمية عقلية وفكرية واجتماعية صحية من خلال الأفكار التي يطرحها، وبعمل علـى تربية الطفـل، وتشكيل شخصيته، فهـو أحد وسـائل «تكون اتجاهـات الأطفال وميولهم وتنميه هواياتهم وخيالهم وقدراتهم الإبداعية، فالمسرح ذو صلة قوية بتكوين الطفل وتكوين وعيه وثقافته وحتى النطق لديه، ويساعده على التأمل واستيعاب طاقته الحركية، ويساعد كذلك على تنمية الروح الجماعية لديه، فعندما يقوم الطفل بالتمثيل متقمصاً شخصية معينة «إنساناً أو حيواناً»، أو عندما يشارك في رقصة أو أغنية مع مجموعة من الأطفال على خشبة المسرح، فهو بذلك يكتسب القدرة على العمل الجماعي، كذلك فإنه عندما يشترك في التمثيل سيجد الفرصة للتعبير الفني عن كل ما يريد، أما إذا كان الطفل متفرجاً على مسرحيات معدّة له فإن ما يتعلمه منها كثير ومتنوع مع الحرص الـدائم علـى انتـصار الخير على الشر، فضلاً عن استمتاعه بالمشاهدة التي تملؤه بهجة وسروراً.

ما الفائدة من تدريس مسرح الطفل في المدارس ورياض الأطفال؟
النظرة التربوية ترى في اللعب نوعاً من الفنون يمتزج فيه الخيال بالواقع، كما أن اللعب نوع من التنفيس عن طاقة الطفل الذي يدفع الصغير لحب الحياة والاستمتاع بها، وهو ما يدفع إلى الانتماء والسلوك السوي، لذلك فإن بناء المجتمع السليم يكون من خلال بناء الطفل السليم ومخاطبة حواسه والدخول إلى عالمه، وهذا يساهم في عملية غرس القيم والمبادئ والأخلاق، لذلك من الضروري تدريس مسرح الطفل في المدارس لأن أقرب وسيلة للتواصل مع الأطفال وأسرعها هي اللعب، فإذا اتفقنا على أن المسرح هو لعبة نلعبها على الخشبة فإننا نوظف هذه اللعبة ضمن منهج تدريسي ونقرّبها من الطالب فتصل إليه المعلومات بسهولة وسرعة، وبذلك نكون قد اكتسبنا ناحيتين تعليمية وترفيهية.

لا نجد نشاطاً لمسرح الطفل في المحافظات ما السبب برأيك؟
من المفروض أن يكون هناك عروض مسرحية للأطفال في جميع المحافظات وخاصة عروض المسرح القومي لما تقدمه في عروضها الملتزمة من دروس في القيم الاجتماعية والتربوية، لكن للأسف ربما تكون الإمكانات المادية والعامل الإنتاجي يلعب دوراً كبيراً في هذا المجال، فلكي ننتقل من منطقة إلى أخرى ضمن المحافظة الواحدة نحتاج إلى مواصلات وإلى أماكن إقامة، هناك الكثير من المصاعب، لكن في السابق كان لنا بعض الجولات ضمن الأرياف والمناطق وبسبب الحرب أصبح من الصعب التنقل، لكن نأمل أن نعود إلى تلك التنقلات والعروض بعد الاستقرار الأمني الذي نلاحظه، وأؤكد ضرورة المسرح ضمن المدرسة من أجل إنشاء فرق مسرحية في المدارس تكون رافدا لمسرح المنطقة وهي التي تقوم بعروض تعليمية وترفيهية، لأن كل منطقة هي أعلم بما تحتاجه من العمل المسرحي أو الثقافي.

ماذا عن مادة مسرح العرائس في المعهد العالي للفنون المسرحية؟
طبعا مسرح الطفل من أهم الفنون المسرحية، يرتاده الكبار والصغار ويطرح مواضيع مختلفة، حتى إنه يمكن لهذا النوع من المسرح أن ينتقل من مكان إلى آخر من دون تكلفة، وهذه الميزة جعلت مؤسسي هذا الفن في سورية يولونه الاهتمام ويعملون به ويؤسسون فرقة خاصة لمسرح الطفل والعرائس، وكان من أهم الفنانين عبد اللطيف فتحي رحمه الله، وحتى الآن مازالت فرقة مسرح الطفل والعرائس مستمرة في تقديم العروض، لكن هناك عروضاً مباشرة لذلك يجب أن يكون لدى الممثل خبرة في الإلقاء والتمثيل، فمسرح الدمى أو العرائس يحتاج إلى محركين ملمين بعلوم فن الإلقاء والتمثيل، ما يسهل أو يعطي لحركة الدمية حساً درامياً من خلال التحريك لأن كل حركة من حركات الدمية تحتاج إلى جهد عضلي ومعرفة تشريحية لجسم هذا الكائن، علماً أنه في السابق كان المعهد العالي للفنون المسرحية يدرّس تلك المادة أو هذا النوع من الفنون المسرحية لكنه تخلى عنه وابتعد حتى كاد هذا الفن يندثر لولا جهود محبيه الذين أحيوه من جديد بمعرفتهم المتواضعة.

يًقال إن هناك قلة في نصوص مسرح الطفل؟
إن كنا نقصد نصوصاً مسرحية فهناك الكثير على مستوى الكم، لكن ليس بالضرورة كل نص أدبي بالإمكان تجسيده على خشبة المسرح، فهناك نصوص تصنّف أنها نصوص مسرحية على حين نجدها تعتمد في بنائها على التركيز على الناحية التعليمية فيُجرى عليها الإعداد المناسب لتناسب لغة العرض المسرحي، بالمقابل قد نجد نصوصا تعليمية وتربوية لكنها تفتقر الى العنصر الدرامي في سياق الكتابة، ما يضطر المخرج إلى إعادة صياغة جديدة لتناسب العرض المسرحي، ومع هذا نجد بعض الكتاب ملمّين بعالم الطفل من حيث المحاكاة لتوصيل فكرة معينة بسياقها الدرامي للمشاهد أو القارئ.

هل يختلف ممثل مسرح الطفل عن ممثل مسرح الكبار؟
الممثل المسرحي يجيد كل أنواع التمثيل في المسرح سواء كان للكبار أو للصغار، لكن للاستمرار في هذا النوع من المسرح يحتاج الأمر إلى الكثير من الجهد والثقافة لكي يستطيع أن يصل إلى العفوية وإلى كسر جميع الحواجز مع الطفل المشاهد ويصل إلى حالة الصدق التامة ليًقنع بها هذا الطفل وليقنعه بأفكاره التي يقدمها أمامه على المسرح، وذلك يكون بدرجة عالية من الشفافية والانسجام والعفوية والصدق كما قلنا فيحمل بداخله طفلا مازال يحب أن يلهو وبلعب.

ما تأثير العامل المادي في تطوير مسرح الطفل؟
إن مسرح الطفل يحتاج إلى الكثير من المبالغة بعناصر عرضه، مثلا هناك أنواع كثيرة لمسرح الكبار «مسرح الفقير أو الرمزي»، هذا النوع لا يحتاج لميزانية إنتاجية كبيرة.. على حين نجد مسرح الطفل يحتاج إلى ميزانية خاصة به لأن عناصر العرض لديه تحتاج إلى الإبهار على جميع الصعد من ديكور وأزياء وإضاءة وموسيقا، الخ، لذلك يكون العامل المادي مؤثراً في تطوير المسرح وانتشاره.

كيف يمكنك تلخيص رحلتك في مجال مسرح الطفل؟
سبق لي أن شاركت بمهرجانات محلية ودولية، ففي عام 2010 شاركت بمهرجان «أوردو الدولي في تركيا» وفي 2011 عملت خبيراً في مسرح الطفل لمصلحة هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث، أما في سورية فأنا أعمل منذ عام 2007 مخرجاً للعديد من العروض الخاصة بالأطفال منها مسرحية «حيلة أرنوب لطرد الثعلوب»، و«التنين يبحث عن صديق»، و«مغامرون في الأمازون»، و«أرنوب صياد الثعالب» وكل تلك العروض كانت لمسرح العرائس، أما في مجال مسرح الكبار للصغار فقد قدمت «أحلام نجمة» و«بياع العسل» و«مغامرة الطحان والقط فهمان»، وحالياً أقوم بتحضير عمل جديد هو «البحث عن نجمة» وجميع تلك الأعمال موجهة للطفل ومن إنتاج مديرية المسارح والموسيقا.
أخيراً، ومن خلال تجربتي في مسرح الطفل، تبين لي أن أصدق نقد بناء هو رأي الطفل الذي يساعد تطوير مسرحه، لأنه لا يحتاج إلى مقدمات كي يعطي رأيه، بل بكل شفافية يقول ما يريد ونأخذ النتيجة من اللحظة الأولى، فإن أعجب بالعرض تفاعل معه من اللحظة الأولى ولآخر لحظة والعكس صحيح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن