قضايا وآراء

الدهاء أم الجهل في سياسة أكراد الشمال

| مصطفى محمود النعسان

لا يخفى على أي متابع للأحداث، النزعات الانفصالية التي تسكن عقول ومخيلات قسم من قيادات أكراد الشمال من سورية، وتتحكم في تفكيرهم، ذلك أن كل الممارسات على الواقع تؤكد هذا المنحى، وتصب في هذا الاتجاه، وهذه الممارسات ليس أولها ولا آخرها تدريس المناهج الكردية ومنع التلاميذ والطلاب من التوجه إلى المدارس النظامية، وتجنيد الشبان في صفوف ما يسمى «وحدات الحماية الكردية» التي تشكل العمود الفقري لـ«قوات سورية الديمقراطية – قسد»، وأيضاً عدم إجراء انتخابات الإدارة المحلية لمجالس المدن والبلدات والبلديات، واللجوء إلى تشكيل ما يسمى الإدارة الذاتية، وما تحمل من معان ودلالات انفصالية في مسمياتها.
الحقُّ أن الكرد يبدون شيئاً من الدهاء من ناحية، ومن ناحية ثانية يؤكدون أنهم لا يفهمون ألف باء السياسة، ولا يفقهون شيئاً من أبجدياتها، ويعانون قصوراً واضحاً وكبيراً في هذا المجال.
ففيما يتصل بالدهاء فإن المسؤولين الأكراد في عموم تصريحاتهم، وهي في مجملها تصريحات متناقضة مع الأفعال، يتبعون سياسة الأبواب المواربة فيما يتصل بالحوار والعلاقة مع دمشق، فمثلاً علّقت عضو المجلس الرئاسي في «مجلس سورية الديمقراطي – مسد» إلهام عمر على مساعي تشكيل لجنة لإعادة مناقشة الدستور الحالي بالقول: إن الدستور الذي لا يكتبه السوريون لا يمثلهم.
كما أثنى المستشار الإعلامي السابق لوحدات حماية الشعب الكردية، في عفرين ريزان حدو على خطاب الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله ودعوته للأكراد لعدم الرهان على واشنطن، والتفاوض مع دمشق، وكذلك تصريحات الرئيس المشترك السابق لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني صالح مسلم حيث قال في التاسع من حزيران الماضي: إن علاقاتنا تتغير مع الأميركيين، وقد نتحالف مع الروس والحكومة السورية.
وأيضاً يضاف فيما يضاف في هذا السياق ما قاله الرئيس المشترك لـ«ـمجلس سورية الديمقراطية – مسد» رياض درار: ما يجب أن يعلمه الجميع أننا سوريون، ونعمل من أجل سورية، وأن تهم الانفصال والتقسيم تهم زائفة والاتجاه الآن إلى دعم اللامركزية بشكل أكبر.
هذا فيما يتصل بالدهاء الذي تمارسه القيادات الكردية، أما فيما يتصل بالجهل وقصور الرؤية السياسية فإن الجولتين اللتين شهدتهما دمشق للمفاوضات مع «مسد» نهاية تموز وبداية آب الماضيين كانتا مدفوعتين بعاملين رئيسيين وليستا نابعتين من قناعة حقيقية بضرورة الوصول إلى حل مرضٍ للطرفين، العامل الأول: خيبة الأمل الكردية بالجانب الأميركي الذي وضع خريطة طريق منبج مع الأتراك، والعامل الثاني: ما لوَّحت به دمشق بالتهديد واستخدام القوة، وذلك على لسان أعلى مسؤوليها وهو الرئيس بشار الأسد في حزيران الماضي: «إن المناطق التي تسيطر عليها «قوات سورية الديمقراطية – قسد» ستعود بالحوار أو عسكرياً».
ولا نجانب الحقيقة عندما نقول إنه لما خاب ظن الأكراد بالأميركيين أبدوا شيئا من التقارب مع دمشق وسعوا للحوار معها، أما عندما تسعى واشنطن لاسترضائهم وإمدادهم بالأسلحة والعتاد، وتحسن إيهامهم بحلاوة الانفصال، يعود الأكراد إلى سابق عهدهم وتتعكر بل تفسد المباحثات والعلاقات مع دمشق وتعتريها أزمة الثقة.
لذلك يمكن القول إن واشنطن عرفت كيف تستثمر جنوح الأكراد ونزوعهم الانفصالية لتحقيق غاياتها لإطالة أمد عدم الاستقرار في الشمال الشرقي، كما أن سياسة شدّ الحبال واللعب عليها من الكرد لا تنطلي على دمشق، ولا ينفع الأكراد إلا التمتع باستقلالية القرار والتنحي عن الجانب الأميركي، وأغلب الظن أن المرحلة القادمة ستشهد عودة الكرد لفتح باب الحوار مع دمشق وذلك بعد التهديدات التي حملها تصريح نائب وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد بقوله إن بعض المجموعات الكردية لا تزال تساوم على العامل الأجنبي، وهي مجموعات سياسية لا تعكس رأي أو موقف مكونات الشعب السوري تجاه الالتزام بوحدة أرض وشعب سورية، وهذه فئات معزولة، ويعرف شعبنا كيف يمكن أن يضع حداً لها.
وكذلك ما رشح مؤخراً من أن الهدف الإستراتيجي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين هو إبعاد القوات الأميركية من سورية، يضاف إلى ذلك تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الثاني عشر من الجاري حيث قال: لا أعتقد أن إدلب هي آخر منطقة ذات مشكلات على أراضي سورية، فهناك أراض شاسعة شرقي الفرات تجري فيها أمور غير مقبولة تماماً، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة ومن خلال حلفائها السوريين وقبل كل شيء الأكراد، تحاول استخدام هذه الأراضي لإقامة دويلة فيها، مشدداً على أن هذا أمر غير شرعي.
والحقّ، وهذا مما يؤسف له، أن «مسد» الذي حاور الحكومة من قبل لم يفهم أمرين ولم يستوعبهما حتى الآن، الأول: أن الكرد جزء من الشعب السوري وليس كياناً مستقلاً أو جسماً مكتملاً، والثاني: أن الأوضاع الإقليمية لا تسمح بأي شكل من الأشكال بإقامة دويلة منفصلة في الشمال، وهذا يعدّ من رابع المستحيلات ولو وضعت واشنطن كل ثقلها ووزنها لإنجازه.
إن نزعات القيادات الكردية الانفصالية جعلت سلوكياتهم تتسم بالجهل والرعونة، وتغيب عنها الموضوعية والواقعية، فضلاً عن الحكمة وبعد النظر، وهذا الأمر لن يطول بهم كثيراً لأن الوقائع تثبت أن الخيار الرئيس الممكن أمام الكرد هو إنجاح الحوار مع دمشق ولاسيما بعد تصريحات بوتين ولافروف والمقداد السابقة وتصريحات رجب طيب أردوغان التي ترافقت مع تصريحات لافروف ومفادها أن بلاده ستقضي على الإرهاب قريباً شرق نهر الفرات في سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن