ثقافة وفن

المشروع همّ وطني يصون الدراما والفنانين والفنيين … زياد جريس الريس لـ«الوطن»: هدفنا إنتاج دراما تجمع الكل حول مؤسسة وطنية تقاسمهم المتوافر لديها

| سوسن صيداوي

القليل أفضل من العدم. الأبواب المفتوحة أفضل من استجداء الأبواب المقفولة. السعي للعمل بشكل واسع والحضور في الساحة أفضل من العمل مرة واحدة فقط مقابل مبلغ مالي كبير. الأمل والتفاؤل أفضل من التشاؤم، وأخيراً الثقة منطلقة من معطيات واقعية. الحديث طويل ولن ينتهي بحوار أو بالكلام عن عمل لمسلسل منجز، فالسلسلة طويلة وستستمر ثلاث سنوات متجددة بمدتها وبمشاريعها وخططها. بتفصيل أوسع «الـوطن» حاورت مدير عام المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي المخرج زياد جريس الريس، الذي انطلق بتأكيد خطط مشروع المؤسسة الوطني، محدثاً إيانا بثقة عن آلية عملها، وخططها ضمن مشروعها «خبز الحياة» لهذا العام والمؤلف من خمسة مسلسلات متوسطة التكلفة الإنتاجية ومشروع المئة دقيقة (90 حلقة من نوع المنفصل المتصل)، مع إثارة الأمل والطموح لبناء مدينتين دراميتين خلال خطة زمنية محددة، وسيكون الأقرب منها إطلاق مهرجان الدراما الأول، مع السعي الجاد لافتتاح قناة فضائية درامية تابعة للمؤسسة العامة، هذا إضافة إلى تسليط الضوء على أهم العقبات والأمور التي تتعرض لها المؤسسة في المضي بمشروعها الوطني، وداعياً كل العاملين في الدراما السورية أن يبقوا ملتفين حول المؤسسة كي يصنعوا من إبداعهم اسما لامعا في تطوير وتقويم الدراما السورية والنهوض بها نحو الأفضل، مقتدين ومتعاونين مع رموز- كانت وما زالت- منذ أيام تأسيس التلفزيون العربي السوري، يصنعون الدراما السورية- بداية البيضاء والسوداء- متسلحين بالإبداع وإثبات الذات، والرغبة الحقيقة في التفرّد، مع الحب الكبير لأنهم يمثّلون في أمتع المسلسلات، بل الأكثر تأثيراً في الجمهور بغض النظر عما ستعود عليهم من مردود. وللمزيد إليكم التفاصيل..

مشروع خبز الحياة
في حوارنا مع مدير عام المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي زياد الريس أكد ضرورة توضيح الصورة بشكل صحيح حول مشروع خبز الحياة الذي- في البداية- لم يتم استيعاب أهدافه أو غاياته قائلاً «الصعوبات والعقبات التي واجهتنا كانت- وقبل كل شيء- بعدم فهم المشروع من الآخرين وبالذات الأسماء الكبيرة من العاملين في الدراما الذين سيتعاملون معنا والناس الفاعلون فيه، ما تطلب منا وقتا طويلا في الشرح والنقاش، إلى أن بدأت الفكرة تتبلور وبدأ المشروع يتضح لهم، ومن ثم استطعنا رويدا رويدا أن نشرح أهدافه وغاياته، وفق خطتنا المدروسة والتي تتلخص بأن مشروع «خبز الحياة» هو مشروع المؤسسة لسنين قادمة، وبالمختصر هو مشروع وطني ضخم، مقسّم على مراحل في الإنجاز وتستمر إلى ثلاث سنوات، فالخطة تقتضي إنتاج خمسة مسلسلات طويلة لعام 2018، انطلق تصوير معظمها والبقية سينطلق تصويرها قريبا جدا وهي: مسلسل عن الهوى والجوى من تأليف شادي كيوان وفادي سليم وإخراج فادي سليم ومسلسل شوارع الشام العتيقة من تأليف علاء عساف وإخراج غزوان قهوجي ومسلسل غفوة القلوب من تأليف هديل إسماعيل وإخراج رشاد كوكش. إضافة إلى مسلسل: أثر الفراشة من تأليف محمود عبد الكريم وإخراج زهير قنوع، ومسلسل: ناس بوك من تأليف أسامة كوكش وإخراج وائل رمضان، الأخير الذي من المقرر أن ينطلق في الخامس عشر من الشهر القادم، وبالطبع المسلسلات المذكورة ذات تكلفة إنتاجية متوسطة، مع الإشارة إلى أن المقاييس في الميزانية تنخفض وتزداد وفقا لبعض الحالات الاستثنائية للمسلسلات، التي يتم التعامل فيها وفق طبيعتها في الزيادة والنقصان، فمثلا مسلسلات البيئة الشامية تتطلب زيادة في المصاريف في بعض الأمور كزيادة في الملابس الخاصة بالبيئة وكذلك الإكسسوارات والمفروشات، فهذه كلّها أمور مطلوبة وترفع من الكلفة. هذا من جهة ومن جهة أخرى سيبقى مشروع المئة دقيقة (لكل ثنائي مؤلف من كاتب ومخرج، أربع حلقات من نوع المنفصل المتصل يشكلون مستوى مئة دقيقة، وكل حلقة تنقسم إلى أربع لوحات مضبوطة من حيث الزمن وعدد الممثلين المشاركين)، هذا المشروع منخفض التكلفة الإنتاجية ومستمر من دون توقف، وحتى الآن أصبح لدينا تقريبا نسبة 50 % من الحلقات منجزة والبقية في عملية الإنجاز. هذه خطة عام2018، وهنا أحب أن أضيف إننا ندرس إطلاق خطة عمل جديدة في العام القادم ضمن مشروع «خبز الحياة»- تتمثل بإطلاق تصوير مسلسل كل خمسة وأربعين يوما، من شريحة المسلسلات المنخفضة والمتوسطة التكلفة».

التقنيات عالية الجودة
الإنتاج مكثّف، وفيه زخم كبير بالكم، ولكن عن النوعية والجودة العالية سواء من حيث التقنيات المستخدمة أو المعدات المطلوبة يحدثنا الريس «نحن نولي الأمور التقنية الاهتمام الكبير، سواء من حيث الإضاءة والتصحيح اللوني أم المونتاج، وقريباً سيكون لدينا أحدث كاميرتين على مستوى التقنيات العالمية، كما أصبح لدينا ضمن المشروع عدد كبير من الأسماء البارزة التي تعمل في المجال الفني وتم استقطابهم ضمن المعطيات المتوافرة بين أيدينا، وهم مشكورين على مشاركتنا لأن هذا المشروع هو همّ وطني وحالة كاملة، وهدفه صون الدراما السورية والفنانين والفنيين السوريين، هذا إضافة إلى خلق روح جماعية تجمعهم كلهم حول مؤسسة وطنية، تحمل هم الجميع وقابلة لأن تتقاسم مع الكل ما هو متوافر بين يديها، بحيث تتحول هذه الروح إلى روح إبداعية خلاقة تخدم الوطن كله. نحن نسير بهذا الاتجاه وبدأنا وفق آلية مشروعنا بالانطلاق في ورش العمل، ابتداءً من الفكرة والسيناريو وهكذا، فما أقصده على التحديد أن آلية العمل ضمن المؤسسة اختلفت، وانعكست على آلية شركات الإنتاج الخاصة الكبرى، التي أصبحت تفكر بطريقتنا وتسير في تحقيق أهدافها بطريقة مشابهة لآليتنا».

هل الثقة مبالغ بها؟
وحول الثقة الراسخة التي يتحدث بها مدير عام المؤسسة والتي لا يزعزها عقبات أو مطبات وإن كانت محتملة يقول الريس «نحن أمام مشروع ضخم وعالي الجودة، كما أننا نتحدى أنفسنا كمؤسسة عامة للإنتاج، ونحن أيضاً في تحدّ أمام شركات الإنتاج الخاصة، ولكن ثقتنا هي من الظروف المتاحة بين أيدينا من جهة، وما هو مهيأ لنا للمضي في مشروعنا من جهة أخرى. إذ من أول أسباب ثقتي وتفاؤلي هو الأسماء الكبيرة التي تتعامل معنا، سواء من فنيين وفنانين أم مخرجين وكتّاب، وأظن أنه وحسب ما لدينا من معطيات فإن انطلاقة المشروع- وأقولها بحذر شديد- كانت ناجحة وغير متوقعة للجميع، حيث كان هناك فهم مغلوط لمشروع «خبز الحياة» ولم يتم استيعاب المشروع بشكل كامل. ومن أسباب ثقتي أيضاً أن المشروع منقسم إلى ثلاث سنوات، انطلقنا في أول سنة وأنجزنا ما هو مطلوب فيها، وفي العام القادم ستصبح كامل المعدات والتجهيزات متوافرة بين أيدينا وفق زمن محدد بنحو%من الأدوات التي تحتاجها أفضل شركة إنتاج تلفزيوني في سورية والوطن العربي، بمعنى ستمتلك المؤسسة مثلا أحدث الكاميرات، وبالنسبة لمعدات الإضاءة سيكون لدينا ما يكفي لتغطية عملين بكل ما تحتاجه من تقنيات ومعدات. أما السبب الثالث لثقتي فسيكون لدينا في العام القادم شركتان ضمن الهيكل التنظيمي للمؤسسة: الأولى شركة تختص بما يمكن أن نسميه مستلزمات الإنتاج من المعدات والتقنيات والتجهيزات التي تحدثت عنها أعلاه. أما الشركة الثانية فستكون متخصصة بالإنتاج والتسويق، والعمل جار في الوقت الحالي لتأسيس هاتين الشركتين.
وأحب أن أضيف أيضاً إننا نطمح في المستقبل القريب إلى أن يكون لدينا قناة فضائية خاصة، تلفزيونية استثمارية بالدراما تحديدا. وأخيراً نحن نعمل على توسيع الملاك العددي في المؤسسة، لأن آلية الإنتاج انطلقت ولن تتوقف بل ستبقى مستمرة على مدار العام، فكل خمسة وأربعين يوما سنطلق مسلسلا».

مشكلات التسويق ومطباته
تعاني اليوم الدراما السورية مشكلة جوهرية، فالمسلسل يتم تصويره وبعد الانتهاء من العمليات الفنية له يصبح جاهزا للعرض، ولكن هنا، كيف سيكون العرض؟ وعلى أي فضائيات عربية؟ فالدراما السورية تأثرت بشكل مخيف كما هو حال كل قطاعات الحياة السورية، ومن ثم أقفلت الفضائيات العربية وشركات التسويق الخاصة أبوابها بوجه الأعمال الدرامية السورية التي في كثير منها مازالت تنتظر فرصة العرض. عن الخطة التي تتبعها المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي يقول مديرها العام بتفاؤل غريب من نوعه لن ندركه إلا مع الأيام القادمة «شركات التسويق والمحطات هي التي ستأتي إلينا، وستكون كل الشركات مهتمة بما سنقدمه، هذا كلّه ضمن التحديات والظروف الصعبة التي يقوم البعض بخلقها من أجل عرقلة ما نقوم به، ولكن ستبقى العبرة بالنتائج الأخيرة التي ستكون أيضاً صادمة، بالطبع أنا أتحدث مرتكزا على خطوات علمية وأكاديمية، ومن خلال إطلاق حملة تسويقية سنباشرها في المستقبل القريب، ففي الواقع بعد إطلاقنا لأول عملين، جاءت إلينا الشركات بعروضها، وهذا يثبت اتباعنا لمعادلات ناجحة اقتصاديا».

في الختام.. زبدة الكلام
أثار مدير عام المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في نهاية حوارنا العديد من النقاط المهمة سنوجزها تباعا، ففي البداية اعتبر أن ضرورة وجود اتحاد لشركات الإنتاج أمر يجب التوقف عنده والتفكير به جديا من خلال إدراك ما المطلوب من هذا الاتحاد، وما الغاية المرجوة منه، وتساءل في حال إنشاء هذا الاتحاد هل سيكتفي بجمع المنتجين تحت سقف واحد كي يعملوا بأسلوب شبه مقونن ليحققوا غاياتهم الخاصة فقط؟ مؤكداً -حسب وجهة نظره- أن هذا الاتحاد يجب أن يشكل فريقا وطنيا واحدا، همه الانطلاق من المصلحة العامة وصولا إلى المصلحة الخاصة، وإذا لم ينطلق من هذه الأهداف فرسالته وغاياته لن تنجح.
بعدها انتقل إلى الحديث عن إعلان مهرجان الدراما السورية، الذي سيكون قبل شهر رمضان 2019 بأسبوع تقريباً، حيث سينطلق حفل الافتتاح، وستشارك فيه الأعمال التي تنتجها المؤسسة، إضافة إلى أعمال- عمل أو اثنين- شركات القطاع الخاص، على حين شرح الريس إن حفل الختام وتوزيع الجوائز سيكون بعد شهر رمضان بأسبوع أو عشرة أيام. مؤكداً نقطة تقتضي بأن مشروع «خبز الحياة» هو مشروع متكامل لمدة ثلاث سنوات، وفي حال نجح سيتم تمديده عامين إضافيين سيكونان، تتويجا لكل ما أنجز فيه، لأن المؤسسة العامة للإنتاج ستكون مؤسسة رابحة، ولديها قاعدة ثابتة لن تتزعزع، بمعنى أنها انتقلت من مرحلة إنتاج آنية إلى صناعة مترسخة الجذور والقوانين والرؤيا والأهداف، والعمل بعد ثلاث سنوات سيتيح تأسيس مدينتين درامييتين، واحدة للأعمال التاريخية ابتداءً من مرحلة الإنسان البدائي وصولا للنمط التاريخي التراثي القريب، والمدينة الثانية مخصصة للأعمال التي تتمتع بالمعاصرة والحداثة.
وفي ختام حديثه موجها كلامه للشباب السوري قال الريس «أدعو الجميع من كتّاب وممثلين وفنيين كي يكونوا معنا ويكونوا على الساحة من خلال مشروع المئة دقيقة، كي ينتقلوا معنا إلى مرحلة متقدمة يزداد معها الإنتاج والنضوج والخبرة لديهم في العمل الدرامي، منتقلين إلى المستوى الثاني للمسلسلات متوسطة أو عالية التكلفة الإنتاجية، فهذا واجبنا نحو الشباب السوري، والمؤسسة تبحث عنهم وتسعى بكل جهدها كي تهيئ لهم الفرص من أجل الاستمرارية، ونقول دائما لا تفكروا بالعمل مرة واحدة مقابل كسب مادي كبير، بل فكروا بما يساعدكم على الاستمرار في العمل ولو بكسب مادي أقل، ففي النهاية الكسب سيكون كبيرا لهؤلاء الشباب نفسيا وروحيا وفكريا، وأخيراً ما يجعلني متفائلاً هو هذا الالتفاف من الشباب السوري حول المؤسسة العامة للإنتاج من خلال مشروع خبز الحياة».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن