قضايا وآراء

رسالة أبناء الجولان: على العهد باقون!

| د. بسام أبو عبد الله

حاول كثيرون طوال عقود من الزمن تحت عنوان «الأمر الواقع» تبرير الاحتلال الإسرائيلي، وشرعنته، وإعطاءه صفة «المحتل الصديق» كما فعل من سموا أنفسهم «معارضين سوريين»، وهم خونة مرتزقة على موائد وفتات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأصدقائه في مشيخات النفط، والغاز، ألم يعلن المرتزق كمال اللبواني من داخل كيان الاحتلال، الرغبة في إقامة علاقات سلمية مع كيان الاحتلال، لكن، بعد إسقاط النظام كما يحلمون!
ألم يطلب علناً مساعدة كيان الاحتلال للقضاء على النظام السياسي في سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد، الذي وصفه اللبواني بـ«هتلر سورية»! من دون أن يوضح لنا علاقته بكيان الاحتلال، ولماذا أبوابه مفتوحة تجاه إسرائيل ومغلقة تجاه شعبه، وبلده، وأهله!
هذه بعض مؤشرات، وأهداف الحرب الفاشية على سورية أي إنهاء وجودها أرضاً، وشعباً، وتاريخاً، وجيشاً، من أجل أن يحيا كيان الاحتلال الصهيوني، ومن أجل أن يقدم بعض الخونة من السوريين الجولان هدية لمعلمهم الإسرائيلي.
لم يخجلوا أبداً عندما أعلنوا ذلك، ولم يخجلوا أبداً حينما أعلن موشيه يعالون وزير الحرب الإسرائيلي في حزيران 2015 أن إسرائيل تساعد من سماهم «ثواراً» بشكل مباشر، ولم يخجلوا حينما اعترفوا في حزيران 2017 بأنهم يحصلون على أموال نقدية من كيان الاحتلال بشكل مباشر كرواتب للمرتزقة والعملاء الذين تشرف عليهم وحدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، ولم يخجلوا أبداً حينما اعترف كيان الاحتلال أنه عالج ثلاثة آلاف مصاب من الثورجيين منذ عام 2013، والأدلة أكثر من أن تحصى، والأهم أن من يفضح علاقات المتعاملين مع كيان الاحتلال هي صحافته، ووسائل إعلامه، ومسؤولوه، ذلك أن وزير الاتصالات وشؤون الاستخبارات، أيوب قرا، أعلن عشرات المرات أن من يسمون أنفسهم «المعارضة السورية» هم على اتصال مع إسرائيل، ولهم علاقات سرية وينسقون معها ضد بلدهم، وشعبهم ومن ثم فإن هدف دعم إسرائيل لهم هو استعدادهم للتنازل عن الجولان، كما أبدوا الاستعداد للتنازل عن أراض سورية أخرى لمصلحة داعمهم العثماني في الشمال.
أهلنا في الجولان المحتل الذين جمعوا في 14 كانون الأول 1982 الهويات الإسرائيلية، وأحرقوها في ساحة مجدل شمس، ورموها في وجه جنود الاحتلال آنذاك، لم تضعفهم أو تثبط عزائمهم مشاهد التطبيع العلني التي عرضت أمامهم على الشاشات، من بعض مشيخات النفط والغاز أو مشاهد الضعف العربي العام في زمن الانحطاط، وكوارث الانهيارات في كل مكان، بل زادتهم إصراراً، وتصميماً، وقوة على قول كلمتهم ليسمعها العالم أجمع بأن الجولان أرض عربية سورية مهما طال زمن الاحتلال، ومهما حاول المضللون، والخونة، والعملاء تزيين المشهد، وتلوينه بالملايين، والمليارات، فإن ذلك كله لن يغير من الأمر شيئاً، فإرادة، وتصميم أبناء الجولان على هويتهم السورية، وتصديهم في 30 من تشرين الأول 2018 لانتخابات الاحتلال المحلية، رسالة قوية واضحة وضوح الشمس لمن يهمه الأمر، وأولهم نتنياهو، أن محاولاتك لشرعنة الاحتلال سقطت، والجولان أرض سورية وستعود للوطن الأم مهما طال الزمن أم قصر!
تكمن أهمية هذه الانتفاضة الجولانية في هذا التوقيت بالذات من أنها أسقطت محاولات شرعنة الاحتلال أمام العالم، للقول له إن «أهل الجولان المحتل» راضون بالاحتلال، وما على دول العالم سوى الاعتراف به «كأمر واقع»! هذه هي خلاصة ما أراده نتنياهو وأزلامه، ذلك أنه وللتذكير عقد جلسة لمجلس وزرائه في هضبة الجولان المحتلة عام 2016، وأعلن آنذاك أن الهضبة ستظل للأبد تحت سيطرة الاحتلال الإسرائيلي، وحاول بكل وقاحة القول إن الإسرائيليين حولوا الجولان إلى جنة خضراء، وواحة للتنمية وأن وجود السوريين فيها هو «وجود احتلالي»! تخيلوا هذا الكلام!
وعاد في 23 شباط 2017 للتأكيد أن مرتفعات الجولان لن تعود لسورية أبداً، خلال مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الأسترالي في ملبورن، وقبل تلك الزيارة لأستراليا بأسبوع قال إنه طلب من الرئيس دونالد ترامب الاعتراف بالضم الإسرائيلي لمرتفعات الجولان المحتلة، وترافق ذلك مع سعي من أعضاء في الكونغرس الأميركي لإصدار تشريع يعترف بضم الجولان المحتل لكيان الاحتلال الإسرائيلي.
من هنا تأتي تاريخية رسالة أهلنا في الجولان المحتل لكل من يريد أن يعرف، ويفهم، ويدرك، موقفهم الحقيقي والوطني، والمعلن تجاه هذه المحاولات الإسرائيلية المسكوت عنها عربياً، ودولياً، لشرعنة وجود الاحتلال الإسرائيلي، والبوابة «الفخ» كانت بداياتها مع الانتخابات المحلية التي أسقطها أهلنا في الجولان بالضربة القاضية على ما اعترفت به وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وعلى الرغم من وجود بعض ضعاف النفوس في الجولان كما هو الحال في كل مكان ظهروا، فإن الأغلبية الساحقة من أبناء الجولان حاصروا أقلام الاقتراع، وفرضوا ضغطاً شعبياً لإسقاط هذه الانتخابات، ولذلك فإنه من أصل 12 ألفاً من سكان مجدل شمس، وثلاثة آلاف من عين قنية لم يسجل سوى اقتراع أقل من 30 ناخباً وصلوا بحماية قوات الاحتلال، وشرطته، ما اضطر حكومة الاحتلال لإنزال قوات عسكرية لقمع أبناء الجولان المحتل.
أعتقد جازماً أن الرسالة وصلت تماماً، وسمع صداها في كل مكان، وجاءت قوية، شجاعة، وطنية، وقومية، للمطبعين، وللمتخاذلين، ولمن أرادوا بيع أرضهم مقابل كرسي، أو بيع أرضهم مقابل فتات المال، والعمالة.
وحدهم السوريون يواجهون الحرب الفاشية، وحرب الوجود في كل بقعة من أرضهم المقدسة، لمنع التفتيت، والحفاظ على السيادة والمستقبل، المستقبل الذي وضع لبناته وأساساته الجيش البطل، الجيش العربي السوري، الذي كيف لا ينتصر وخلفه شعب عظيم كالشعب السوري من الجولان، إلى كل بقعة عزيزة من الوطن السوري.
لم يخطئ القائد المؤسس حافظ الأسد عندما خاطب الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون خلال آخر جلسة مفاوضات في جنيف حينما قال: «لنترك الأمر للأجيال القادمة»، وها هي هذه الأجيال بالرغم من كل الإحباطات والسواد والخيانات والعمالة تؤكد مرة جديدة أنها على العهد باقية.
تحية للأهل في الجولان أهل العهد والانتماء والأصالة والوطنية، وهم يبرقون للعالم رسالتهم هذه، ويؤكدون للقائد المؤسس حافظ الأسد، وللقائد بشار الأسد أنهم على العهد باقون، وبالوعد متمسكون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن