الأولى

تماثيل الملح

| نبيه البرجي

لماذا الإصرار على اللعب في قعر الزجاجة؟! لعلها الريح الآتية من أصقاع جهنم هي التي تضرب تماثيل الملح في منطقتنا، ألم يقل أحدهم لجاريد كوشنر «نحن حجارة الهيكل»؟
الآن، وقد ظهر أمامنا عراة البلاط: البهلوان، حصان طروادة، مصاص الدماء، دونكيشوت، مكيافيلي، وحتى… القهرمانة، فإلى متى يحاول هؤلاء إعادة عقارب الساعة بأقدامهم إلى الوراء؟ ومتى تستيقظ السلحفاة التي تستوطن لاوعيهم من الغيبوبة التي طالت وطالت، حتى تعفّن الزمن في عينيها، وفي أرجاء جسدها؟ كما لو أن الذي يحدث، بكل أهواله، تزامناً مع قرع الطبول، لا يفترض إعادة النظر بالسياسات وبالإستراتيجيات التي كما لو أنها إستراتيجيات العبيد.
ذات يوم، نصحنا روجيه غارودي، وقد أزيل اسمه حتى من لائحة الفلاسفة، وهو فيلسوف الأمل، بأن نعيد النظر في الرؤية.
لو تعلمون من هم زبانية، برنار ـ هنري ليفي، الذي يفاخر بأنه «نبي صفقة القرن»، ومن دون أي خجل من الولوغ، أكثر فأكثر، في التبعية، وفي الاجترار، وفي التقهقر.
سفراء عرب في باريس يتباهون بأن الفيلسوف الذي وصف، منذ نحو عقدين من الزمن، ذلك الطراز من العرب، بالعباءات الخاوية التي تتقيأ الذهب، كان ضيف شرف على موائدهم.
من تلك الأنياب التي لا تفترق عن أنياب دراكولا، حدثهم عن رؤيته للشرق الأوسط الذي لا يمكن أن يخرج من ثقافة القرون الوسطى إلا عبر «الثنائية المقدسة» بين الكعبة والهيكل. التقيناه في التسعينيات من القرن الفائت، إثر حديث «مريع»، كتبت.. ماذا تتقيأ الثعابين؟!
أين هو العقل العربي الذي يقارع هؤلاء؟ البلاط يذهب إلى المرتزقة، راقصي الدرجة الثالثة، ولقد صدمني ذلك الكاتب المغربي الشهير حين نشر مقالة في دورية خليجية حول الأزمة في سورية، يستشف منها رنين الذهب، ورنين الخواء، اتصلت به لأكتشف أنه لا يعرف أي شيء، أي شيء، عن سورية، وأنهى حديثه «إنني كئيب و… إنني أعتذر».
ذلك المال التائه لم يكتف بتسويق الإيديولوجيات المجنونة، والسياسات المجنونة، أيضاً اشترى رؤوساً عربية في الغرب، الكثيرون منهم صعاليك المقاهي ولا يمتلكون حتى ثقافة الدجاج!
الآن، بحث عن صيغ أخرى لإدارة الشرق الأوسط، العنوان الكبير تكريس الغيبوبة، الغيبوبة لقرن آخر، استبقاء لأنظمة قال فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما قاله.
الصيغ المتداولة لا تتوخى فقط، وضع المنطقة في الثلاجة، الثلاجة الأبدية، بل تحويل حجارة الشطرنج إلى حجارة الهيكل.
من أيام، جون فوستر دالاس، وشقيقه، آلان دالاس، وحتى، جون بولتون، وجاريد كوشنر، لا يزال المسار الفلسفي ذاته، تركيب تحالفات إستراتيجية هجينة لطالما تمحورت ليس فقط حول زعزعة علاقات العرب بالعرب، وإنما حول تفجير علاقات العرب بالعرب، ليبقوا القصاصات البشرية على ضفاف اللامعنى.
هذا ما كان يرمي إليه، ديك تشيني، وكوندوليزا رايس، إبان عهد جورج دبليو بوش، إعادة تركيب الخرائط، وبناء معمارية جيوسياسية تجعل من بلدان المنطقة مستنقعات للحرائق.
ما يحدث أمامنا الآن أن الذين وضعوا أنفسهم، على شاكلة الدمى، في المتاهة الأميركية، هم داخل المأزق، رؤوسهم في مهب الهباء، كما لو أن، وليم كريستول، لم يقل في وصفهم «الذين آثروا البقاء في إحدى قاعات العدم». كل تلك الضوضاء من أجل رجل بقي، حتى اللحظة الأخيرة، بثوب القهرمانة، إنما هي الضوضاء المبرمجة بحثاً عن باب آخر للولوج إلى النسخة الأخرى من صفقة القرن.
ذاك الوزير الدمية الذي يتغنى بـ«العلاقات الحديدية» مع دونالد ترامب، كأنه لم يكن ليشتكي لزميل خليجي له من «صاحبنا الذي وضعنا على الكرسي الكهربائي، ومضى بعيداً».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن