شؤون محلية

القضاء بين سلطته وحدودها

| نبيل الملاح

بداية علينا جميعاً أن ندرك أن القضاء هو الطريق إلى تحقيق العدالة والإنصاف ومنع الظلم والاستغلال، وهو الميزان الذي يوازن بين جميع أطراف المجتمع ومكوناته السياسية وفقاً للدستور، وهو الذي يضمن تطبيق القوانين وتنفيذها بالشكل الصحيح ويمنع تجاوزها والتعدي عليها.
ومن هذا المنطلق فإن القضاء سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، لكنه في الوقت ذاته هو مؤسسة من مؤسسات الدولة التي تتمثل في السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية فضلاً عن الإعلام والصحافة التي يطلق عليها (صاحبة الجلالة) ومؤسسات المجتمع المدني، وهذا يتطلب أن تكون العلاقة بين هذه المؤسسات علاقة عضوية وتكاملية ضمن إطار الدولة وفقاً للضوابط والأحكام الواردة في الدستور.
لقد نص الدستور على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، وهذا يعني بوضوح أن سلطة القاضي تنحصر بالحكم في الدعاوى المنظورة أمامه وفقاً للقوانين النافذة وأن هذه السلطة مستمدة من الشعب الذي يمثله المجلس المنتخب من قبله ويعبر عن إرادته من خلال القوانين والتشريعات التي يصدرها بالتنسيق والتعاون مع السلطة التنفيذية، التي يفترض استطلاع رأي السلطة القضائية (إدارة التشريع) ومجلس الدولة فيها قبل إحالتها إلى مجلس الشعب.
وحيث إن الأحكام القضائية تصدر باسم الشعب العربي في سورية، فإن سلطة القاضي وحصانته يجب أن تكون دافعاً للتعامل مع المواطنين الذين يقفون أمامه من متداعين ومحامين بالأسلوب الذي يحفظ كرامتهم وإنسانيتهم بعيداً عن التعالي والفوقية.
ما تقدم كنت قد ذكرته في مقالات سابقة، ويأتي ضمن إطار موضوع هذا المقال الذي أنشد به الحفاظ على مؤسسة القضاء والتنبيه إلى خطر حرفها عن مسارها الطبيعي في تحقيق العدالة والإنصاف.
إنني أرى في زج القضاء وقضاته في لجان تتصل بعمل ومسؤولية السلطة التنفيذية أمراً غير محمود، ويجب إعادة النظر بهذا النهج الذي توسع في الآونة الأخيرة في بلدنا وفي العديد من البلاد العربية، وكان في بعضها لأغراض سياسية ولتغطية تجاوزات يتم تغطيتها من خلال إقحام القضاة في لجانٍ وهيئات إدارية.
ورداً على ما يدعيه البعض بضرورة وجود قضاة في هذه اللجان والهيئات، أقول علينا التفريق بين اللجان القانونية واللجان القضائية، فاللجان القانونية يجب أن تضم القانونيين العاملين في السلطة التنفيذية وغيرهم من أصحاب الاختصاص في المجالات المالية والاقتصادية والفنية، بينما اللجان القضائية يجب أن تكون محصورة بالقضاة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة تفعيل المادة (81) من قانون السلطة القضائية التي تحظر على القضاة إبداء الآراء والميول السياسية والاشتغال بالسياسة، وكذلك عدم الظهور في وسائل الإعلام إلا بتكليف من المرجع القضائي المختص وبأضيق الحدود.
إن القضاء ملاذنا جميعاً حكاماً ومحكومين، وهذا ما يدعونا إلى المطالبة بتحصين هذه المؤسسة ورفعها إلى مستوى ينأى بها عن كل الشبهات ويجعلها موضع ثقة الجميع، ويجعل القضاة بمنزلة الأولياء والقديسين كما كانوا في تاريخنا المجيد، وهذا ليس بكلام طوباوي، بل هو اللبنة الأولى لإعادة بناء مؤسسات الدولة بناءً سليماً، فالقضاء هو الرافعة الأهم لجميع مؤسسات الدولة.
وإن ما نراه من حدود للسلطة القضائية وقضاتها، يأتي في إطار الحرص على تحصين هذه المؤسسة وإبعادها عن الشبهات، وانطلاقاً من أن السلطة القضائية ليست سلطة فوق الدولة، وأن سلطة القضاء ليست أعلى من سلطة الشعبة.
وعلينا جميعا أن ندرك أن السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة، وأن مصلحة الجميع ومصلحة الوطن قبلهم تقتضي أن يعرف كل منا حدوده، وأن نرسم بوضوح حدود كل سلطة من السلطات الثلاث بما يضمن التكامل فيما بينها.

باحث ووزير سابق

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن