قضايا وآراء

الكونغرس الجديد وسياسة العصي في العجلات

| مصطفى محمود النعسان

كما كان متوقعاً، استعاد «الديمقراطيون» الأغلبية في مجلس النواب، فحصلوا على ما لا يقل عن 220 مقعداً من 435 مقعداً، في حين عزز «الجمهوريون» أغلبيتهم في مجلس الشيوخ بحصولهم على 52 مقعداً على الأقل.
وتعد انتخابات الكونغرس هذه الأكثر سخونة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية حيث شهدت إقبالا كبيراً ذلك أنها استفتاء على سياسات دونالد ترامب في نظر جميع المراقبين والمحللين.
صحيح أن نتائج الانتخابات حققت نجاحا للديمقراطيين، ولكن الصحيح أيضاً أن الجمهوريين احتفظوا بمواقعهم في وقت كانت التوقعات واستطلاعات الرأي تشير إلى غير ذلك، ويبدو أن حجم الإنفاق على الانتخابات الذي بلغ خمسة مليارات دولار، ويعد الأعلى في تاريخ انتخابات الكونغرس وجلها من شخصيات يهودية ثرية ومنهم شادرون أديسون، قد عدل نتائج الاستطلاعات.
الحق أن السياسات الداخلية ليست محل خلاف بين ترامب والديمقراطيين مثلما هو الأمر من خلاف كبير فيما يتصل بالسياسة الخارجية.
نعم يسجل ترامب لنفسه انخفاض بنسبة البطالة في عهده إلى 3.7 بالمئة وهي الأدنى منذ عشرة أعوام على الأقل، كما يسجل لنفسه توفير ربع مليون فرصة عمل، وبالتأكيد فإن الخمسمئة مليار دولار الذي جلبها معه من السعودية ساهمت إسهاما فعالا في إيجاد وظائف جديدة وتخفيض نسبة البطالة إلى الرقم المذكور.
إن السياسة الداخلية ليست محل خلاف شديد بين ترامب والديمقراطيين إلا في بعض منها ولاسيما قانون الهجرة الذي أصدره ترامب، وهو في نظر الديمقراطيين ذو توجه عنصري حيث حظر شعوب سبع دول إسلامية منها خمس عربية، من دخول الولايات المتحدة الأميركية.
كذلك قد لا يتوافق الديمقراطيون مع سياسة الضمان الصحي التي يتبناها ترامب ولا مع تخفيض الضرائب، ولكن الأهم من السياسة الداخلية بالنسبة لنا، هي السياسة الخارجية فشعار «أميركا أولا» الذي رفعه ترامب، ارتد عليه، فالولايات المتحدة في عهده وصل عجزها التجاري الخارجي إلى ٥٦٦ مليار دولار لمصلحة الاتحاد الأوروبي والصين.
وكرد فعل على ذلك فرض ترامب رسوماً جمركية بنسبة ٢٥ بالمئة على الصلب و١٠ بالمئة على الألمنيوم المستوردين من الاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك، ما أثار حنق هذه الدول مثلما أثار حنق الدول الأوروبية مطالبة ترامب لها برفع حصتها من الدعم للناتو، ما شكل قناعة أوروبية بضرورة الانزياح عن واشنطن والتخلي عنها شيئاً فشيئاً.
فصول الحرب التجارية بين ضفتي الأطلسي، بدأت في حزيران الماضي حيث فرضت أوروبا إجراءات جمركية ضد قرارات ترامب، وذلك على عشرات المنتجات الأميركية، ومنذ حزيران أيضاً تدهورت العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن وبكين بشكل سريع من خلال مجموعة من الجبهات ليس فقط في مجال التجارة ولكن أيضاً في المجالين العسكري والسياسي وعقب إعلان ترامب فرض رسوم جمركية بنسبة ٢٥ بالمئة على واردات من السلع الصينية قيمتها ٢٠٠ مليار دولار، أعلنت بكين أنها ستتخذ تدابير مضادة ومن بينها عمدت إلى التخلي عن الغاز الأميركي والتزود بالغاز العربي، وتطور الأمر بين البلدين في ظل ترامب إلى أن دعا الرئيس الصيني في السابع والعشرين من تشرين الأول الماضي الجيش للتأهب لأي حرب طارئة تفتعلها أميركا على خلفية العقوبات الاقتصادية وموقف واشنطن من تايوان التي تعدها بكين من سيادة وسلامة الأراضي الصينية.
ما يقال عن أوروبا والصين يمكن أن يقال شبيها له بالنسبة لروسيا، حيث أراد ترامب الانسحاب من اتفاقية الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الموقعة عام ١٩٨٧، ما يشكل سباق تسلح جديداً يكلف الولايات المتحدة المزيد من الأموال، حيث يعارض الديمقراطيون كل تلك السياسات ويعتبرونها حمقاء وتنم عن جهل وعدم خبرة.
إن ميزانية الدفاع الأميركية للسنة المالية ٢٠١٩ التي بدأت في الأول من تشرين الأول الماضي بلغت نحو ألف مليار دولار، أي ربع إجمالي النفقات الفيدرالية، ويعود ذلك إلى زيادة الاستثمار في الحرب حيث استندت الهيمنة الأميركية الى٨٠٠ قاعدة عسكرية في العالم، علما أن حجم الإنفاق العسكري الضخم من شأنه أن يفاقم عجز الموازنة الأميركية ليصل لنحو تريليون دولار بحلول عام ٢٠٢٠ وذلك وفقا لتقديرات مكتب الموازنة بالكونغرس ما ينجم عنه في وقت لاحق ارتفاع كبير في ديون الحكومة الاتحادية الأميركية إلى نحو ٢١٥٠٠ مليار دولار، وجعل ترامب السعودية بقرة حلوب كما وصفها ليسعى لابتزازها باستمرار، يمكن أن يوفر الكثير من الأموال للحكومة الأميركية ولكن سياساته الخارجية ستلحق بالاقتصاد الأميركي أكبر الأضرار ورغم أن السياسة الخارجية هي من صلاحيات الرئيس في الولايات المتحدة إلا أن مجلس النواب بديمقراطييه الذي يدرك هذه الحقائق ويعارضها، سيسبب صداعا لترامب وسيرغمه على الكثير من المساءلات والاستجوابات التي من شأنها أن تفرمل سياساته الخارجية وتضع الكثير من العصي في عجلاتها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن