الأولى

ليلة الكؤوس المحطمة

| نبيه البرجي

السكين وقد انغرزت في عظامهم…
الذين طالما تبادلوا القهقهات (قهقهات القبور أم قهقهات الخناجر؟). الذين لعبوا طوال تلك السنوات بين أسنان بنيامين نتنياهو. كما ينثرون، أو يذيبون ضحاياهم، وأقرب الناس إليهم، قطعة قطعة، ها هم يتعرّون، ويتساقطون قطعة قطعة.
كما لو أن القاتل هنا ليس القاتل هناك. ذات يوم، وكان التنسيق الاستخباراتي، والإستراتيجي في ذروته، كانت الصفقة، الصفقة ـ الفضيحة على الورق. كوندومينيوم (إدارة ثنائية) تركي ـ سعودي في المنطقة التي يفترض أن تدور، في نهاية المطاف، حول الهيكل.
الآن يتحدثون في الغرب عن «إستراتيجية الغباء». انظروا إلى أحوالهم اليوم. كيف يمزق بعضهم بعضاً. كيف يأكلون لحم بعضهم. حتى إن جيفري غولدبرغ يلاحظ أن المهمة الكبرى والمعقدة، للولايات المتحدة هي إعادة ترتيب الأشلاء.
حلقة أخرى من الكوميديا السوداء. الصراع بين أنقرة والرياض لامس تلك المسألة البالغة الحساسية. استعادة لقب «خادم الحرمين الشريفين»، والدعوة إلى تدويل إدارة الحج. غداً، قد يدعو رجب أردوغان إلى إعادة النظر في البنية الجغرافية للمملكة، بحسب ما يتوقع الصحفي التركي الذي ابتعد عن بلاده جنكيز تشاندار.
الذين قاتلوا بعظام الآخرين، وقد تداعت رهاناتهم كافة، يقاتلون الآن بعظامهم.
الغريب أنهم ما زالوا غارقين في الهذيان، من دون أن يتنبهوا إلى أن ما حدث يفترض بهم، إذا كانوا يمتلكون الحد الأدنى من الوعي، محاولة بناء رؤى جديدة وسياسات جديدة. لا شيء حتى الآن يشي بالتخلي عن لوثة التاريخ، أو عن لوثة الأيديولوجيا، ناهيك عن لوثة الأنا، على الأقل لإنقاذ رؤوسهم من عصا المهرج.
بدا بنيامين نتنياهو وكأنه الحارس على باب المملكة. اتصالات مع البيت الأبيض. إذا تزعزع البلاط، أو إذا تهاوى، لابد أن يستتبع ذلك انقلاب دراماتيكي في المسار الفلسفي، والإستراتيجي، للمنطقة.
معلومات خليجية لا يرقى إليها الشك، أكدت أن وفداً إسرائيلياً أمضى يومين في الرياض، وأجرى محادثات وصفت بأنها في منتهى الحساسية، بعدما بدا أن هناك داخل العائلة المالكة من رفعوا الصوت «إنقاذاً للعائلة وإنقاذاً للمملكة».
أما إزاحة الرأس الذي دفع بالمملكة إلى المفترق الخطير، وعلى الجبهات كافة (اليمن، قطر، خاشقجي)، أو إعادة توزيع السلطة بالصورة التي تحدّ من النزعة النرجسية لدى ولي العهد.
البلاط على صفيح ساخن. محاولات لبلورة تسوية داخل العائلة قد تساعد في الالتفاف على التداعيات الصارخة، ربما المدمرة، لحادثة القنصلية. مسؤول خليجي كبير تحدث عن «ليلة الكؤوس المحطمة في قصر اليمامة».
ذاك الآخر، بقبعة السلطان، الذي لم يكتشف حتى الآن أنه محاط بالخطوط الحمراء، بالأحزمة الحمراء، وأنه مجرد حجر على رقعة الشطرنج. عبثاً راح يبحث عن الجثة، ولطالما تقيأ الجثث، في الآبار، وفي الغابات، وفي البراميل، في محاولة أكثر من أن تكون كاريكاتورية لقبض الثمن مادياً وجيوسياسياً.
كيف يمكن لهذا الرجل ألا يعرف أن من يساومهم من خلف الزجاج هم مثله مجرد فتات جيوإستراتيجي؟ لا مجال لأن يعطوا أكثر من ظهورهم، أكثر من عباءاتهم، أكثر من أرصدتهم، لدونالد ترامب.
كل ذلك العبث الدموي بأرض العرب، بدم العرب، (وبالتواطؤ مع ذلك الطراز من العرب) لم يفتح أعينهم، ولا عقولهم، بأن الأميركيين لا ينظرون إليهم سوى كونهم الأحصنة العرجاء في ما دعاه ديفيد اغناثيوس بـ«ذلك السيرك الذي يدعى… الشرق الأوسط».
ليقل لنا أولئك الذين أرادوا تحطيم سورية، وتفكيك سورية، سورية الدور، وسورية الدولة، هل لهم من موطئ قدم في الحلبة الكبرى؟
الذين كانوا يسندون ظهورهم إليهم في واشنطن يتحدثون الآن عن «رقصة الفالس الأخيرة في البلاط». كثيراً تغيرت قواعد اللعبة. إلى أين يجرهم وحيد القرن؟!
في الأوساط الخليجية كلام عن الصدمة بسبب الضبابية الأميركية الراهنة. الكلام الذي يأتي من واشنطن يضع كل الاحتمالات على الطاولة. على الأقل، ثمة رأس يهتز. هل يقع أو متى يقع؟
اللاعبون في الضباب. اللاعبون في أرجاء الفضيحة، يدركون الآن ألا مجال لإسدال الستار. المشهد كله في ذروة الارتجاج. حدقوا جيداً في «الرؤوس التي أينعت». بنيامين نتنياهو يشترط صفقة ديبلوماسية وسياسية كبرى في الحال. من يتجرأ؟!.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن