من دفتر الوطن

مقال «تاريخي»

| زياد حيدر

أحياناً يخيل إليك أن توصيف الحاضر بالتاريخي لا تنقصه الدقة، بل إننا كما يتراءى أحياناً نعيش واحدا من تلك العقود الاستثنائية.
وتوصيف التاريخي، كمصطلح، أصابه استرخاص كبير على مر العقود الماضية، فكان دوما يأتي لنجدة كتاب الخطابات وترويسات الصحف ومقدمات نشرات الأخبار وحتى الكتب المدرسية.
وحين تحول كل شيء لتاريخي، بدأنا ننسى قيمة تأطير أمر أو حدث بهذا الإطار، بل إن أيا منا لا يتذكر أغلبية الأحداث الماضية التي نالت هذا التوصيف الاستثنائي، عبر وسائل الإعلام المحلية أو في اجتماعات المدرسة الصباحية.
الآن، ومع اختلاف الزمن، إذا بحثنا في أحداث هذه الأيام عما يمكن وصفه بالتاريخي، بصحة ومن دون نفاق ايديولوجي، وبوهم أننا أحرار في آرائنا وخياراتنا ولو لدقائق قليلة، يمكن في الواقع تصنيف وقائع كثيرة ضمن هذا الباب، وبشكل تقشعر له أبدان أولاد المستقبل…لاحقا.
فالحرب السورية التي نسميها أحياناً أزمة، ولكنها في واقع الأمر حرب بمستويات متعددة، كانت تاريخية بمقاييس عالمية.
عدد الدول التي اشتركت فيها بشكل فعال مباشر أو غير مباشر وما زال بعضها طرفا حتى اللحظة، يزيد عن الخمسين إذا أردنا تسميتها بشكل حقيقي عملي.
وهذه الحرب تاريخية أيضاً من حيث عدد الضحايا والمهجرين، وأيضاً من حيث الدمار الذي خلفته، ومن ناحية كلفة إعادة الإعمار المتوقعة.
وهي أيضاً تاريخية بالنظر لتعقيدات التحالفات والمناورات السياسية والعسكرية التي تضمنتها هذه السنوات السبع، وبعضها مازال مستمراً.
نأتي بعدها لجيراننا فمثلا، يستحق أن يوصف بالتاريخي ما جرى مع رئيس وزراء دولة مستقلة، تمت دعوته رسميا لزيارة دولة أخرى، فقامت باحتجازه، وإهانته، وإجباره على الاستقالة الرسمية ببيان مكتوب سلفا، ومن ثم الإفراج عنه بضغط أوروبي، وبكفالة ما زال تسديدها مستمراً.
أيضاً يستحق أن يوصف بالتاريخي قيام البلد ذاته باستقطاب معارض سياسي لقنصلية بلده حيث تم قتله وتقطيعه وتذويبه على مرأى من العالم تقريباً.
ودخول التاريخ من هذا الباب سهل، فالحدث التاريخي كالسابق ذكره، يحتاج مخرجاً تاريخيا، تجلى في الإسراع بفتح بوابات العبور للعدو التاريخي، الجاثم فوق صدر شعب شقيق، محتلا أراضي وطنه التاريخي وأراضي الغير معها. هذا تطلب الهرولة لمد الجسور أمام هذا العدو، ومد السجاد الفاخر أمام مسؤوليه، ليس محبة فيهم، ولا ضمن إستراتيجية بعيدة المدى، ولا لمقايضة سلام مفترض، وإنما لنيل صك براءة من جريمة اغتيال سياسي تاريخية، عبر إرضاء زعيم دولة تاريخي، هو الآخر، لم يشهد التاريخ الحديث مثل فظاظته وسطحيته، رغم أن نصره التاريخي في الانتخابات الأميركية فتح المجال لنصر أشباهه التاريخي في مناطق أخرى من العالم، وآخرها البرازيل.
إن وصف ما نمر به بمرحلة تاريخية حساسة، يصح أكثر من أي لحظة أخرى، لكن في الوقت ذاته فإن نظرة خاطفة إلى الماضي القريب ومن ثم البعيد، توحي بأن حياتنا وتاريخنا المعاصر لم يكن سوى تعاقب مرحلة تاريخية حساسة خلف الأخرى، حتى بتنا متخصصين في الخضوع لتأثير الأحداث التاريخي، ونحن غالبا ساحة الحدث، أو المستهدفون أو من يمارس رد فعل على حدث معين، فرض عليه أو أخطأ في تقديره.
للأسف فنحن نادرا ما نصنع التاريخ بأنفسنا، وربما يصح القول إن تاريخنا ليس سوى سلسلة من تراكم الأخطاء والمآسي التاريخية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن