قضايا وآراء

مفتاح الحرب وبوابة السلام

| رفعت البدوي

شهدت قصور ملوك وأمراء وسلاطين دول الخليج العربي سباقاً على استقبالات علنية وبالجملة لشخصيات إسرائيلية معادية للعرب والفلسطينيين في خطوة تدل على تهافت غير مسبوق لإنهاء حالة العداء بين أنظمة الخليج والعدو الإسرائيلي بالجنوح نحو تطبيع العلاقة مع الكيان الصهيوني مغتصب فلسطين وعدو العرب التاريخي.
بعد استقبال سلطنة عمان لرئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو وفتح أبواب مسجد الشيخ زايد أمام وزيرة الثقافة في الكيان الصهيوني وتوجيه الدعوة لوزير التطبيع الإسرائيلي ايلي كوهين لزيارة البحرين كان لا بد لنتنياهو من الوقوف أمام الكنيست الإسرائيلي متباهياً ليقول إن منطق القوة هو الذي يفرض تغيير المعادلة لمصلحة إسرائيل لأن القوة تفرض على الآخرين الخضوع والقبول لمنطق القوي وأن قوة إسرائيل هي التي فرضت تغيير المشهد وهذه القوة هي التي أجبرت جيراننا العرب على فتح أبواب قصورهم لنا ويفرشون السجاد الأحمر لاستقبالنا ترحيباً بإسرائيل.
وفي لحظة زلزال حادثة مقتل جمال خاشقجي بالقنصلية السعودية في اسطنبول الأمر الذي ألحق بصورة وسمعة السعودية الدولية ضرراً بالغاً يصعب ترميمه إلا عبر إحداث صدمة غير اعتيادية تصرف الأنظار عن الحدث بحد ذاته.
إلى ذلك جاء استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في العاصمة السعودية الرياض خبير الاتصالات في إسرائيل والمستشار السابق لنتنياهو حامل الجنسية الإسرائيلية وأحد أكبر مناصري الحركات الصهيونية «جويل روزنبرغ» على رأس وفد من عتاة الصهاينة المؤيدين لإسرائيل وذلك في خطوة تستكمل الهرولة السعودية نحو تطبيع العلاقة مع العدو الإسرائيلي، الأمر الذي أحدث صدمة في الشارع السعودي رفضاً للتطبيع لكن السلطات السعودية قامت بقمعها وبسرعة.
وفي محاولة رخيصة من محمد بن سلمان تنكر لمبدأ القومية العربية مظهراً رغبته في تطبيع العلاقة مع إسرائيل والاتكال عليها ذلك بعد الإشادة بدفء العلاقة بين السعودية وإسرائيل وخلال اللقاء مع «جويل روزينبرغ» تعمد ابن سلمان تشويه التاريخ العربي النقي موجها الانتقاد للرئيس القائد جمال عبد الناصر معتبراً أن جمال عبد الناصر وآية اللـه الخميني دمرا المنطقة وخلقا مشاكل هائلة للسعودية كما انتقد رؤساء تركيا وروسيا وإيران في إطار الحديث عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
وجد محمد بن سلمان نفسه بين فكي كماشة الرئيس التركي رجب أردوغان الذي اعتمد مبدأ التسريبات الصحفية والاحتراف في ابتزاز ابن سلمان خصوصاً بعد مقالة اردوغان في صحيفة الواشنطن بوست جازماً فيها إبعاد أي شبهة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في حادثة قتل خاشقجي موجهاً أصابع الاتهام والمسؤولية المباشرة نحو شخص ولي العهد السعودي.
إذا السعودية مأزومة وبحاجة لمن ينقذها من ورطة خاشقجي فالحليف الأميركي خرج من الانتخابات النصفية مهشماً بنصف هزيمة وما كان ممكناً قبل الانتخابات النصفية لم يعد ممكنا بعد الإعلان عن خسارة الأكثرية في مجلس النواب الأميركي رغم الاحتفاظ بأكثرية مجلس الشيوخ، ما يعني أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب نفسه لم يعد طليق الحركة وسيكون من الصعب عليه استمرار التغاضي عن ملفات عدة ولاسيما ملف محاسبة السعودية والذي يعرف بقانون جستا.
في هذه الظروف الحالكة لم تجد السعودية سندا يمد لها طوق النجاة إلا عدو العرب نتنياهو الذي انبرى للدفاع عنها معلناً أن الاستقرار في السعودية هو أولوية لأمن إسرائيل على المستوى الإستراتيجي.
أمام ما تقدم نستطيع القول إنه أمام تراجع نفوذ دونالد ترامب وارتباكه في الداخل الأميركي فإن نتنياهو بات المستشار والموجه والآمر وصاحب اليد الطولى في بلاط الخليج وخاصة في بلاط ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ولكن حسب صحيفة «مكور ريشون» الإسرائيلية فإن نتنياهو هو نفسه مأزوم أيضاً وعلاقته الجيدة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم تعد كذلك خصوصاً بعد حادثة إسقاط الطائرة الروسية «ال 20» واستشهاد 15 ضابطاً روسياً من رتب عالية على الرغم من محاولات نتنياهو المتكررة لإصلاح العلاقة لكن التسريبات الإسرائيلية بشأن استمرار الهجمات والغارات الإسرائيلية على مناطق سورية حتى بعد نشر منظومة «اس300» زاد من تأزم العلاقة بين بوتين ونتنياهو وأصاب الروس بالجنون بعدما ما اعتبر الكرملين أن التسريبات الإسرائيلية هي بقصد إهانة الكرملين بشكل مباشر وفي رأي روسيا أن مصدر التسريبات الإسرائيلية هو نتنياهو نفسه وهذا ما دفع بوتين إلى رفض الرد على مكالمات نتنياهو الهاتفية المتكررة وعدم موافقته على أي موعد للاجتماع بنتنياهو لا بروسيا ولا حتى خلال قمة باريس المرتقبة، الأمر الذي دفع نتنياهو للإعلان عن مشاركته في قمة باريس لكن من دون الاجتماع مع بوتين، ومن ناحية أخرى بدت العلاقة معقدة أيضاً بين نتنياهو والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي اشترط طرح مبادرة سلام فرنسية بين الفلسطينيين وإسرائيل خلال قمة باريس، الأمر الذي يرفضه نتنياهو ما أدى إلى تعقيد العلاقة بين الرجلين.
نستطيع القول إن توتر العلاقة بين بوتين ونتنياهو أسهم في ردع إسرائيل عن تنفيذ هجمات أو غارات إسرائيلية على مناطق لبنانية تدعي إسرائيل أنها تحتوي على مصانع صواريخ موجهه أسوة بما قامت به إسرائيل في سورية.
إن كلام سماحة السيد حسن نصر اللـه الأخير الذي أعلن إصراره وتأكيده حتمية الرد على أي اعتداء إسرائيلي هو كلام موجه لإسرائيل ولكل المطبعين من العرب ومما أضافه نصر اللـه هو ألا تحزنوا من التطبيع لأن الخيانة العربية تطفو على السطح وبات كل شيء واضحاً وأن الهزيمة القادمة لإسرائيل ستؤدي تلقائياً إلى إسقاط كل تلك الأنظمة المطبعة مع العدو الإسرائيلي.
إشارة نصر اللـه إلى أهمية دور سورية المحوري وأنه لولا صمودها بوجه الهجمة الجهنمية التي تعرضت لها ولم تزل لكان العدو الإسرائيلي يسرح في دمشق أو يتجول في المسجد الأموي والعياذ بالله، وهذا دليل على أهمية صمود سورية الأسطوري مدعومة من الحلفاء وأهمية نجاحها في الحفاظ على موقعها الجيوسياسي المهم الأمر المكمل للصمود المبهر الذي كان له الفضل والدور الأساس في إفشال وتغيير كل المعادلات المرسومة لإنهاء الهوية العربية.
نختم بالقول: مهما حاولت إسرائيل الالتفاف على دول الخليج بهدف تعويض فشلها في تحقيق أي إنجاز عسكري إستراتيجي ومهما سعت دول الخليج إلى تطبيع العلاقة مع العدو الإسرائيلي ومهما حرفوا البوصلة عن فلسطين فإن صمود سورية جيشا وشعبا وقيادة كفيل بدحر كل المؤامرات خصوصاً بعد الوقفة المشرفة لأهل الجولان الأحرار وتشبثهم بالأرض وبالهوية العربية السورية ورفضهم الانصياع لأوامر سلطة العدو فإننا نستطيع الجزم بأن تنفيذ أي صفقة إسرائيلية خليجية أميركية هدفها ضياع فلسطين وتهويد القدس أو ضم الجولان المحتل صار من المستحيل بل وتجاوزه الزمن خصوصاً بوجود الجمهورية العربية السورية القوية المنتصرة المدعومة من محور المقاومة.
إن سورية كانت ولم تزل الرقم الصعب لكل المنطقة وهي مفتاح الحرب وبوابة السلام ومستقبل الأجيال العربية وضمانة للهوية وللحضارة العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن