قضايا وآراء

إسرائيليو الداخل!!!

د. بسام أبو عبدالله : 

قد يبدو العنوان قاسياً، ومستفزاً للبعض منّا، ولكنها الحقيقة أيها الأصدقاء والأحبة، فلم يعد بإمكاننا أن نتحدث عن «معارضة»، وعن «مواطنين» يطالبون بحقهم في الحرية، والديمقراطية، والكرامة- كما سوق هؤلاء الأمور منذ بداية العدوان على سورية، وكما فبركت «الأساطير» عن الثورة المزعومة و«الثوار» من الإعلام الخليجي- النفطي، والإعلام الغربي المنافق.
كثيرون منّا ضاعوا في التفاصيل منذ البداية فانشغلوا بالشعارات الطنانة، الرنانة «الديمقراطية، والحرية، وحقوق الإنسان»!!! وبثقافة الكراهية، والخطاب السفيه لأشخاص سوريي الهوية، ولكنهم إسرائيليو الممارسة، والخطاب والهدف، وفي ظل الخراب، والدمار أراد هؤلاء أن يقنعونا بأن الإسرائيلي أفضل لنا من أبناء البلد، من دون أن يسألوا أنفسهم سؤالاً بسيطاً، ومنطقياً: كيف يمكن للإسرائيلي الذي يحرق طفلاً فلسطينياً، ويقتل أبناء فلسطين أن يكون إنسانياً معهم، وعدوانياً- قاتلاً- مجرماً مع أشقائهم في الدين الذي يزعمون، وفي القومية التي إليها ينتمون؟
لا إجابات لدى هؤلاء لأنهم امتهنوا العمالة، والخيانة جهاراً نهاراً منذ أن بدؤوا بإدخال مراسلين إعلاميين إسرائيليين لمناطق، وقرى سيطروا عليها، وأحضروا «أبله» ليقول للناس: إنني مستعد للتحالف مع شارون إذا كان سيخلصني من الرئيس بشار الأسد!! تلك كانت البداية لنشر الحالة الإسرائيلية داخل سورية، وتبرير العمالة مع العدو الصهيوني، وكأنها حالة مبررة شرعاً كما أفتى لهم الوهابيون، وشيوخ الإخوان، ومنافقو رجب طيب إردوغان…
عندما كنّا نتحدث عن دور إسرائيل فيما يجري في سورية كان يُقال لنا آن لهذا الخطاب الخشبي أن ينتهي، فالناس تطالب بالحرية، من دون أن يفسر لنا أحدٌ منهم هل تعني المطالبة بالحرية مثلاً أن تكون عميلاً رخيصاً للموساد، أو للسعودية، أو لرجب طيب أردوغان، أي أن تتحول إلى عبدٍ في سوق النخاسة الدولية لا قيمة لك إلا بالدولارات التي تُدفع لك!!
ظل منافقو «المعارضة» يغطون الحبل السري بين الجماعات الإرهابية وإسرائيل إلى أن كشفت تقارير المراقبين الدوليين التابعين للأمم المتحدة عن التنسيق بين تل أبيب، وما يسمى «معارضة سورية» منذ منتصف عام 2013، ووثقت ذلك للأمين العام، ولأعضاء مجلس الأمن، وتحدثت هذه التقارير عن أكثر من «59» لقاءً جرى بين آذار- أيار/ 2014، مع ملاحظة أن جنوداً إسرائيليين كانوا ينقلون صناديق إلى سورية، إضافة لانتقال أشخاص غير مصابين للمنطقة المحتلة، وقد كذبت تقارير الأمم المتحدة ادعاءات «إسرائيل» بأنها كانت تقوم بتغطية جانب إنساني؟
أضف إلى ذلك ما بدأت وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفه حول اللقاءات السرية بين مندي صفدي أحد مستشاري نتنياهو و«قادة من المعارضة السورية» في مدن أوروبية، وفي تركيا حيث أكد للقناة الثانية الإسرائيلية في حزيران 2014 أن أغلبية قادة «المعارضة السورية» يتطلعون لإقامة علاقات ودية مع «إسرائيل»، وأن كل من التقاهم حملوه رسالة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وأضاف «صفدي»: إن المعارضة السورية قدمت لـ«إسرائيل» عرضاً غير مسبوق تضمن إرسال ممثل عن الحكومة الإسرائيلية للمشاركة في اللقاءات التي تعقدها المعارضة مع الوفود الأجنبية «تخيلوا هذا- فماذا لو أصبح هؤلاء حكاماً في البلاد- فهل سيدعون الموساد لحضور الاجتماعات أيضا!!!!».
وتابع «صفدي»: إن المعارضين أبلغوه أنه إذا ساعدت «إسرائيل» «المعارضة السورية» فإن هذه الأخيرة لن تنسى ذلك بعد أن تتولى الحكم في سورية، مؤكدين: أن الأهم من ذلك هو قطع العلاقة بين سورية من جهة، وإيران، وحزب الله من جهة أخرى…
علاوة على ذلك كشفت المراسلات الخاصة بـ«مندي الصفدي» التي تم أخذها من كمبيوتره الخاص باعترافه هو، واعتراف أجهزة الأمن الإسرائيلية الدور الإسرائيلي في صفوف الجماعات الإرهابية المسلحة، وتسليحها، وتسخيرها لخدمة الأجندة الصهيونية ضد سورية، ومحور المقاومة، وبينت حجم عمالة هؤلاء الذين يسمون «معارضين»، والأصح «خونة- وعملاء لبلدهم» وسبق لصحيفة الأخبار اللبنانية أن نشرت النصوص الكاملة قبل فترة.
بعض هؤلاء لم يخجل فالمنافق اليساري «كمال اللبواني» زار تل أبيب علناً، وجهاراً- نهاراً، ثم بعد ذلك سافر للقاء قادة الإخوان المسلمين الذين أوفدوه إلى هناك، وبالتالي لم تعد العلاقة سرية، بل تحولت إلى علنية جداً، وبالذات بعد قيام نتنياهو بزيارة جرحى «مجموعات الخونة الإرهابيين» في الجنوب السوري.
أما إذا انتقلنا من استعراض هذه المعلومات، إلى الممارسات التي قام ويقوم بها هؤلاء «الإسرائيليون الجدد» الذين يحملون «هوية سورية» فهي كثيرة، وأكثر مما تحصى منذ أربع سنوات، فهل مصلحة أي سوري أن تدمر مطارات بلده العسكرية، ومحطات الرادار، والمنشآت العسكرية التي خرجت آلاف الجنود، والضباط، وتغتال خيرة الكوادر العسكرية، ويُطعن أبناء قواتنا المسلحة في ظهورهم؟ وهل مصلحة سورية، أو أي سوري هو في تدمير الكهرباء، وخطوط النفط والغاز، والمستشفيات، والمستوصفات، والمدارس، والجامعات، ويقتل العلماء، ويُهجر المدنيون، وتُدمر المعامل العامة، والخاصة؟؟؟
هل يمكن لمن يقطع المياه عن أبناء بلده أن يكون سورياً مثلاً- أم هو إسرائيلي الهوى، والممارسة؟
وهل يمكن لمن يشارك في تدمير بلدته، وقريته، ويتحول إلى مجرم، وقاطع طريق، وعميل يتلقى الدولارات لينفذ أجندة إسرائيلية أو سعودية أو تركية (لا فرق) أن يكون سورياً؟
ثم هل يمكن لمن يقصف دمشق، وحلب، واللاذقية ومدناً سورية أخرى، ويقتل الآمنين أن تكون أجندته وطنية- سورية، أم كان الأجدى به أن يقصف تل أبيب، ويُظهر رجولته هناك، وليس ضد أبناء بلده..
دعوني أكن واضحاً: الخلاصة التي وصلت إليها أن علينا أن نعترف أن لدينا سرطاناً إسرائيلياً في جسدنا يجب أن نجتثه قبل أن يستفحل، وخاصة أن إسرائيل استطاعت أن تجند كثيرين من هؤلاء، فهناك من هم معروفون منهم، ومكشوفون، ولكن السؤال كم عدد الذين لا نعرفهم من هؤلاء!!
قد يقول البعض: إن المناعة الوطنية قوية لدى أغلبية شعبنا، وهذا صحيح، وهو السبب الأساسي في استمرار صمودنا، وبقائنا في وجه الطغيان، والعدوان، ولكن لابد من أن نكون واضحين أيضاً مع أنفسنا بالسؤال التالي: كيف استطاعت إسرائيل أن تخترق في بعض الأماكن- أشخاصاً، وجماعات يُفترض أنها تربت معنا في المدارس نفسها، وأكلت، وشربت من هذه الأرض الطيبة؟
قد يكون الأمر بحاجة إلى بحث عميق، ودراسة متأنية، ولكن دعوني أشر إلى: سعوديي الداخل، وأردوغانيي الداخل، وقطريي الداخل، وعملاء النظام الأردني، والأجهزة الأوروبية والأميركية فإذا ربطنا بين أطراف، وعملاء هذا المشروع فسوف نصل إلى إسرائيل التي يعمل كل هذه الأطراف على أمنها، وسلامتها، وإزالة الأخطار من حولها، بما في ذلك (إسرائيليو الداخل السوري) الذين يقومون بإضعاف، وتدمير سورية من أجل عيون إسرائيل وسلامتها..
لقد أسقط الشعب السوري، وجيشه البطل عصابة الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي، وبدراسة تلك الحالة نكتشف أن جميع القوى التي تتآمر على سورية الآن هي نفسها التي تآمرت عليها في الماضي، وإن إسقاط (إسرائيليي الداخل) يتطلب إسقاط الحالة الإخوانية بكل تجلياتها لأن العقل المدبر، والعصب الأساسي لكل منتجات هذه الحالة هم الإخوان سواء كانت قاعدة، أم داعش، أم غيرها من التسميات، والعلامات التجارية وهي لبضاعة فاسدة واحدة- كما أشار الرئيس بشار الأسد قبل يومين في حديثه لقناة المنار المقاومة.
إن إسقاط الإخوان المسلمين يتطلب بث قيم الإسلام الصحيح، وأخلاقه وسلوكياته، واجتثاث حالة الاسترخاء التي غرقنا بها في طريقة التعامل مع هذه الحالة السرطانية، ونشر ثقافة المقاومة عبر الفن، والمسرح، والقصة، والرواية، وتعزيز قيم العقل، والمنطق، والتنور، ومحاربة الجهل والمنابر التي تبث مثل هذه القيم متخفية باسم الإسلام، وقيمه الروحية النبيلة.
القضية تحتاج إلى تكاتف جهود مؤسسات عديدة لاجتثاث حالة (إسرائيليي الداخل) قبل أن تتحول الخيانة إلى وجهة نظر، والمعارضة إلى مهنة من لا مهنة له، ويبرر البعض خيانتهم تحت لافتة (الحرية، والديمقراطية، وحقوق الإنسان)، وثقافة الكراهية التي أعمت البصر، والبصيرة حتى تحول المجرم نتنياهو- إلى داعم أساسي للثورات الملونة الجديدة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن