من دفتر الوطن

العشاق النزقون

| عبد الفتاح العوض

يتصرف السوريون مثل العاشق النزق.. في تعاملهم مع العقائد والمبادئ والأفكار العامة.
في بدايات الحرب وكان اسمها «أزمة» كان السؤال الذي يدور على ألسنة السوريين.. من أين للسوري كل هذا العنف وكل هذا الحقد.. بل وكل هذه الطائفية؟
في تلك البدايات صار الشك يحوم حول مدى معرفتنا لأنفسنا.. وبذلك تكون أول قلعة أوجدنا فيها ثغرة هي سورية نفسها.
أيضاً.. وفي مرحلة مقاربة أصبح الحديث عن الجامع وما يمثله، فتلك المظاهرات كانت تنطلق من المساجد، وبالتالي «نظرياً» على الأقل تعتمد على ذوي الاعتقادات الإسلامية، ورغم أن ما عرف عن الإسلام السوري من الاعتدال وعدم خلط الدين بالسياسة، إلا أن أسباباً كثيرة ومعظمها موضوعي جعلت من الممكن ربط المسألة بالإسلام السياسي، لهذا رأينا أن جداراً آخر وجد السوريون أنه قابل للهدم وهو الفكر الديني، ومن هنا أصبح الهجوم على «الدين» بشكل عام ومن دون تفريق واحداً من الأحاديث السورية الشعبية بل التي شارك فيها أصحاب فكر.
كذلك شارك اليساريون السوريون في الخروج من المساجد، وشاركوا بفاعلية في الاصطفاف ضد سورية رافعين شعارات في غير زمانها وفي غير مكانها، وحتى أولئك الذين حجزوا لأنفسهم مكاناً جميلاً لدى الرأي العام السوري ذهبوا بعيداً في لغتهم وبدا تماماً أنهم يخلعون الرداء اليساري ليلبسوا أردية رديئة خليجية وتركية وحتى مغرقة في تطرفها الديني، ومن هنا جاءت ردة الفعل الشعبية السورية على الفكر اليساري، وأصبح اليساريون محل شك في مدى انتمائهم لما يدعونه، وأصبح اليسار في خانة أولئك الذين يفعلون ما لا يقولون.
وليس بعيداً عن ذلك جاء الرد السوري الأقوى شعبياً على العروبة من خلال مواقف عربية مخزية جداً وغارقة في دونيتها، ومع بدايات الأزمة السورية أخذت معظم الدول العربية مواقف ضد الدولة السورية ورفعت شعارات لم تعرف طعم الديمقراطية في دولها بالمطالبة والدفاع عن «حقوق الشعب السوري»، وكان مشهداً غريباً أن يتم إخراج سورية من الجامعة العربية وتتسيد المشهد إمارة مثل قطر على سبيل السخرية!
هذه الإعادة «المملة» ليست سرداً تاريخياً بل ملاحظة أننا كشعب سوري كانت ردود فعلنا تجاهها مثل العشاق النزقين.
في البدايات عتبنا على سوريتنا ثم هاجمنا الدين ثم اليسار.. ثم العروبة وبشكل مسبق لدينا موقف فكري من الرأسمالية سياسة واقتصاداً!
الشيء الذي لا نستطيع أن نخلعه مهما كان ومهما بلغ تشكيكنا فيه هو «سوريتنا» لأن هذه ليست جزيرة معزولة عما فيها وعما حولها.
فنحن كفرنا بالأديان وبالعروبة وباليسار وباليمين!
الآن ونحن نطرق أبواباً جديدة مفتوحة على الأمل من المهم أن نعيد النظر بهذه الأشياء والأفكار بطريقة هادئة.
هذا النزق العاطفي كان ضمن سياقه الطبيعي.. لكننا الآن في مرحلة جديدة يمكن أن تبدأ فيها مطارحات فكرية هادئة وعميقة.
وأنا أدعو الجامعات السورية وخاصة جامعة دمشق للبدء في عقد ندوات فكرية حول هذه القضايا المصيرية تحاول كلها الإحاطة بعنوان مهم هو: «الهوية الوطنية».

آخر القول:
يا صبر أيوب لا ثوبٌ فنخلعه
إن ضاف عنا ولا دارٌ فننتقل
لكنه وطن أدنى مكارمه
يا صبر أيوب أنّا فيه نكتمل

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن