ثقافة وفن

«الحصاد السوري» يناقش فصول الحرب السورية اقتصادياً وسياسياً … ليون زكي: الشق الاقتصادي تغلب على السياسي في الكتاب باعتباره فتيل اشتعال الحرب ومحركها الأساسي

| سارة سلامة - تصوير: أسامة الشهابي

تأنى كثيراً قبل نشره الكتاب الذي جمع فيه حصاداً مراً عاشته سورية لسنوات، ربما كان يخشى ألا تتاح له فرصة النشر، لتطاول أمد الأزمة وضياع تفاصيل انفراجاتها، إلى أن شعر بأنه لزاماً عليه اتخاذ قرار النشر من دون الانتظار أكثر عند عتبة الانفراج المأمول لتجاوز أخطر محنة تعرضت لها سورية، حيث وقع الكاتب والباحث ليون زكي كتابه (الحصاد السوري- فصول في الاقتصاد والسياسة)، الصادر حديثاً عن دار الفارابي- بيروت، في فندق داما روز بدمشق بحضور نخبة من رجال الأعمال والمجتمع والإعلام، ومن خلال السرد والتحليل استطاع أن يسلط الضوء فيه على ما شهدته سورية منذ انطلاق شرارة الحرب فيها منتصف آذار عام 2011، والظروف التي أدت إلى ذلك حتى منتصف العام الجاري.

واستعرض الكاتب بعض جوانب الملفات السياسية المهمة من خلال مسير الأزمة مثل المبادرات السلمية التي طرحت لحلها وارتباط تسوياتها بالمجريات الميدانية وصراع الدول على نيل حصة من مناطق النفوذ داخل البلاد وسعيها إلى خلق كانتونات تنال من وحدة ترابها الوطني وتضرب التعايش الفريد من نوعه الذي نعمت به سورية، والذي سيحول دون تفتيتها، ويقع الكتاب في 400 صفحة من القطع المتوسط.

دقة وموضوعية

ومما ذكره مدير المصرف المركزي وأستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور محمد ظافر محبك في تقديمه للكتاب: «إن الكتاب سجل متميز بالدقة والموضوعية في سرد الأحداث السياسية والاقتصادية، التي مرت بها سورية منذ آذار 2011، وحتى النصف الأول من عام 2018، حيث شهدت سورية خلالها أحداثاً لم تشهدها في تاريخها القديم والحديث نظراً لما تتضمنه من مظاهر واضحة وغير معهودة للحرب الاقتصادية خارجياً وداخلياً من حيث التركيز على التدمير الاقتصادي لجميع مناحي الاقتصاد الوطني، فكانت العقوبات الاقتصادية من الدول الكبرى المتقدمة التي تدعي حماية السلم العالمي ومنها من كانت تسعى بالأمس، وبكل جدية، لتنفيذ اتفاقية الشراكة السورية- الأوروبية، بل تعدى طموحها ذلك بطرح مشروع اتحاد المتوسط الذي لم ير النور».

وأضاف محبك إن: «زكي يثبت للتاريخ وقائع النيل من مفاصل الاقتصاد الوطني من خلال نظرته الثابتة، وقدرته الفائقة على سرد المعطيات وعرضها بأسلوب مشوق يشد القارئ إلى المتابعة دون كلل وملل متنقلاً بين تطور الأحداث خلال فترة الأزمة عبر عدد كبير من المقالات المنشورة والمحاضرات العديدة التي وفرتها له منابر اقتصادية مختلفة، والكاتب باحث من الطراز الرفيع بسعة أفقه وقدرته على رصد واستيعاب ما يجري حوله بكل ترو ودقة وثقة، مستخلصاً الأسباب التي يعتقد أنها كانت وراء حوادث وظواهر اقتصادية معينة».

معيشة المواطن هي الهم الأكبر

وأوضح ليون زكي في تصريح صحفي عقب التوقيع: «إن الكتاب يوثق المحاضرات والمواد الصحفية ولقاءاتي المنشورة في مختلف وسائل الإعلام، خلال عمر الأزمة التي أرى أن بوادر انفراجها بدت تلوح في الأفق كمخرج وآمل ألا تكون حلوله هشة لأكبر أزمة في تاريخ سورية المعاصر».

وأشار زكي: «ركزت في الكتاب على معيشة المواطن ومصالحه، باعتبارها الهم الأكبر والبوصلة الرئيسية، من خلال السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة خلال الحرب، وعبر نقد بنّاء للوصول إلى حلول تخرج اقتصاد الحرب من دوامة القرارات الارتجالية، وحال التخبط الذي يعيشه بفعل الضغوطات الممارسة بحقه».

ولفت زكي إلى أن: «الشق الاقتصادي تغلب على السياسي في الكتاب باعتباره فتيل اشتعال الحرب ومحركها الأساسي، إلى جانب دور وموقع سورية الجيوسياسي المميز في خريطة المنطقة والعالم والتي حاولت الدول الإقليمية والكبرى الفاعلة في الملف السوري تحجيمه، حيث تناولت فصول الكتاب التسعة حقل تجارب القرارات الاقتصادية ودوامة التحالفات الاقتصادية ومتاهة الإعمار وفاتورة الحرب الباهظة وكابوس هجرة السوريين، كما أفرد حيزاً واسعاً لتقلبات سعر الصرف الذي حقق (معجزة اقتصادية)، عكست صمود سورية في وجه أعتى المؤامرات الدولية عليها».

إنجاز في مجال الاقتصاد والفكر

وفي تصريح خاص لـ«الوطن» أكد السفير الأرمني في دمشق أرشاك بولاديان أن: «الكتاب يعتبر إنجازاً في مجال الاقتصاد والفكر، وحقيقة أقّدر جداً إمكانات هذا الرجل كإنسان وطني سوري من جذور أرمنية، صمد كثيراً وخسر مادياً لكونه رجل أعمال في مدينة حلب التي ذاقت ما ذاقته في الحرب، وانطلاقاً من وطنيته بدأ بالإنشاء والكتابة وكان في الأمس بمجال الاقتصاد واليوم ظهر في مجال الإنتاج الفكري».

وأضاف بولاديان إن: «من دون السياسة لا يوجد اقتصاد وكذلك لا توجد سياسة من دون اقتصاد، وإذا كانت البلاد تشهد اقتصاداً قوياً ومتيناً سيكون لها جيش قوي والدليل على ذلك انتصارات الجيش العربي السوري في كل الجبهات، ولولا هذا الاقتصاد القوي والأصيل والمتين ولولا السياسة الحكيمة لم تكن سورية لتتصدى لهذه الهجمة الكبيرة عليها خلال ما يقارب 8 سنوات».

وبين بولاديان أن: «هذه المرحلة مهمة جداً بالنسبة لي كباحث ودبلوماسي وخاصة أنني قريباً سأغادر سورية، وستكون هذه المرحلة موضوع كتابي القادم في أرمينيا، وسأكتب عن الحقيقة كما هي في سورية، ولا أخفي شعوري بالسعادة لأنني تقاسمت مع الشعب السوري الحرب والآن أذهب وأنا مطمئن على سورية وهي قوية بعزيمة شعبها ولها مستقبل مشرق».

رسم مساراً اقتصادياً

ومن جانبها أكدت عضو مجلس الشعب الدكتورة نورا أريسيان أن: «عنوان الكتاب بحد ذاته هو أكبر مؤشر على مضمونه، باعتبار أن الكاتب ليون زكي باحث اقتصادي، وما أحوجنا إلى الباحثين الاقتصاديين في هذه الفترة بالذات، حيث قسم الكتاب إلى محورين الأول: محور سياسي تحدث فيه عن رؤيته السياسية أثناء الأزمة وتوقعاته في إطار الحرب ضد الإرهاب، أما المحور الثاني فتناول به الشق الاقتصادي وهو ابن الاقتصاد والعارف الأكيد للرؤى والتوقعات الاقتصادية حيث رسم مساراً اقتصادياً يستفيد منه الباحثون والمختصون في الاقتصاد من خلال المقالات التي كتبها وجمعها في هذا الكتاب».

ويذكر أن للكاتب ليون زكي، وهو رجل أعمال ومال ورئيس مجلس إدارة مؤسسة «ليزاكو» التجارية، دراسات في الاقتصاد السوري والعربي والعالمي ومقالات اقتصادية ومحاضرات متخصصة، وشغل مناصب عديدة منها: عضو مجلس إدارة في اتحاد غرف التجارة السورية وغرفة تجارة حلب (2008- 2014)، وعين رئيساً لمجلس الأعمال السوري الأرميني بقرار من رئيس مجلس الوزراء منذ 2009 وأعيد تعيينه سنة 2014، ولا يزال، ومنحه الرئيس الأرميني سيرج ساركيسيان (وسام العرفان)، تقديراً لجهوده في تطوير العلاقات الاقتصادية بين سورية وأرمينيا، وجرى اختياره ضمن قائمة (شهبندر التجار) إلى جانب أهم الفعاليات السورية، ومن أعماله كتابا (العمل والثروة) و(تحدي البقاء).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن