قضايا وآراء

هل يكون «باليرمو» بداية حل الأزمة الليبية؟

| مصطفى محمود النعسان

الاهتمام الغربي بليبيا نابع من الاهتمام بإفريقيا، ذلك أن ليبيا هي الدولة الأولى إفريقياً، ولا يخفى على أحد أن نفطها الذي يبلغ حجمه ما يقرب المليوني برميل يومياً هو لبّ الاهتمام، إن لم نقل لبّ الصراع ومحوره، فليبيا وكما هو معروف هي الدولة الخامسة عربياً في إنتاج النفط.
والحقّ أن هناك من يرى في مؤتمر باليرمو الذي عقد يوم الإثنين الماضي في إيطاليا أنه سيضع حلاً للأزمة الليبية، أو أنه سيحدد الملامح الرئيسة للحل ويضعه على السكة الصحيحة بعد فترة شاقة وطويلة من المعاناة والجهود الدبلوماسية، ولاسيما أنه عقد في اليوم التالي مؤتمر لرؤساء دول الطوق بحضور قائد الجيش الليبي خليفة حفتر.
في المقابل هناك فريق يؤكد أن مصير مؤتمر باليرمو سيكون مشابهاً لمصير مؤتمر باريس الذي عقد في أيار الماضي ولاقى فشلاً ذريعاً، ومن هذا الفريق، المبعوث الدولي إلى ليبيا غسان سلامة الذي أعلن قبل أيام قليلة من انعقاد المؤتمر أنه لن يكون له نتائج إيجابية على أرض الواقع.
والحق أيضاً أنه ربما الأهداف الخارجية المتعارضة بين باريس وروما، والتي تتحكم بهما مصالحهما بالدرجة الأولى، ساهمت إسهاماً رئيساً وفعالاً في إطالة أمد الأزمة واستعار أوارها.
فالصراع بين فرنسا وإيطاليا حول ليبيا مؤداه أن فرنسا لا تزال تنظر إلى ليبيا من زاوية المطامع التاريخية، ولاسيما في الجنوب الليبي الذي كان ضمن مستعمراتها في شمال إفريقيا، بينما ترى إيطاليا أنها الأولى بمستعمراتها السابقة وخاصة بعد أن استعادت حضورها فيها مجدداً عبر اتفاقية الصداقة الموقعة عام 2008، واستحوذت روما بموجبها على الجزء الأكبر من استثمارات الغاز والنفط والبنى التحتية.
قد تتأرجح المحادثات في ليبيا بين المتنافسين الداخليين والخارجيين حيث شارك في مؤتمر باليرمو رئيس مجلس النواب عقيلة صالح وشخصيات من المجلس، كما شارك رئيس مجلس حكومة الوفاق فايز السراج وأطراف ليبية أخرى، بينما شارك قائد الجيش الليبي خليفة حفتر في لقاءات دول الجوار في اليوم التالي.
وبينما تم في باليرمو مناقشة ملفات اقتصادية وسياسية وأمنية، تم في لقاء دول الجوار بحث الوضع الأمني ووضع الحدود ومشكلة اللاجئين.
ورغم كل ما قيل ويقال يمكن اعتبار أن مؤتمر باليرمو ولقاء رؤساء دول الجوار، قد يسهما إسهاماً فعالاً في التغلب على تباين وجهات النظر بين إيطاليا وفرنسا اللتين لكل منهما مصالحهما النفطية واللتين استخدمتا نهجين مختلفين في مسعى لحل الصراع الدائر على الساحة الليبية.
تتودد فرنسا إلى خليفة حفتر بينما تدعم إيطاليا فايز السراج، لكن بعد أن تحولت ليبيا إلى محطة للمهاجرين غير الشرعيين نحو الشواطئ الجنوبية لأوروبا، والتي أصابت أوروبا بالقلق الشديد، وخلفت عدداً كبيراً جداً من الضحايا فضلاً عن بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة، أصبحت هناك مصلحة للجميع في الدفع نحو الحل في ليبيا.
يأتي هذا التوجه بعد أن أدرك الفاعلون في المشهد الليبي جيداً أن الملف السياسي وحده لن يكفي ومن ثم لابد أن يكون هناك توجه أمني يسبقه ويمهد له.
إن الحرص الروسي على حضور مؤتمر دول الجوار الذي شهد تمثيلاً قوياً من عدد من الدول، يعطي زخماً لهذا التوجه المذكور، حيث احتلت أهداف توحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا موقع الصدارة ذلك أنها هي التي تحسم الصراع، وهي التي تستطيع أن تفعل المشهد السياسي، وتحمي الشرعية، وتوفر مناخاً مناسباً للانتخابات، وتحمي المقدرات وتحمي المسار السياسي نفسه، وتوحد الدولة من خلال توحيد المؤسسات، وهو الذي يسعى إليه الشعب الليبي ويتوق إليه.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن