ثقافة وفن

ترجمت إلى العربية بلغة شائقة سلسة … «ثلاث دقائق من التأمل» حازت جائزة سامي الدروبي للترجمة

| هبة اللـه الغلاييني

صدر عن (الهيئة العامة السورية للكتاب)، كتاب (ثلاث دقائق من التأمل)، تأليف كريستوفر أندريه وقد حازت الجائزة لعام 2017، المترجمة من اللغة الفرنسية (آلاء أبو زرار)، حيث نقلت ما كتبه (كريستوفر أندريه) إلى العربية بلغة شائقة سلسة، ما جعلها جديرة بهذه الجائزة.
كريستوفر أندريه طبيب نفسي مختص باضطرابات القلق والاكتئاب، بدأ اهتمامه بالتأمل في نهاية العام 1990 كطبيب وكممارس. باشر بتعليم كيفية الوصول إلى سانت أن الوعي التام وأصبح بدءاً من عام 2004 أحد أوائل الأطباء الذين اقترحوا هذه الوسيلة على مرضاهم في إطار البروتوكولات العلاجية، وكان ذلك ضمن خدمته في المشفى الجامعي سانت آن في باريس.
ألف العديد من الكتابات التي حظيت بمبيعات عالية مثل (التأمل يوماً بعد يوم).

ما أظهرته الدراسات حول التأمل
إن فوائد التأمل كثيرة من الناحية الصحية، فهو ذو تأثير بيولوجي محبب حيث إنه يرفع المناعة ويقلل من مستوى الالتهاب، ويبدو أنه يحد من شيخوخة الخلايا ويغير من شكل الجينات المرتبطة بالشدة النفسية.
وهذا أمر مهم لأنه من بين العوامل التي تؤثر في صحتنا هناك عوامل سببها خارجي كالوراثة ودرجة نظافة أو تلوث الهواء والماء والغذاء. كما أن هناك عوامل متعلقة بنا كالتمارين الرياضية والتغذية والتأمل!
تقوم الفائدة الثانية المباشرة لهذه الممارسة على توازن الانتباه، فهذا الأخير هو عبارة عن ملكة لا بد منها لضمان الحد الأدنى من الاستمرارية في أعمالنا وأفكارنا وتعميق طريقة تفكيرنا وهذا ما نسميه التركيز.
ويعد التأمل أيضاً وسيلة لتعميق معرفتنا لذاتنا، فهو يساعد على الملاحظة بشكل أفضل، وعلى فهم آلية عمل دماغنا، ومن ثم فهو يساعدنا على رؤية أفضل للحياة والموت على الصعيد الفكري والعاطفي والتأثير القوي الذي تمارسه هذه الأفكار والمشاعر في تصرفاتنا واندفاعاتنا. هذا أمر أساسي لأن الكثير من آلامنا مصدرها أنفسنا! تعرضنا الحياة للمتاعب إلا أننا نضيف إليها جرعة جديدة من المتاعب من خلال اجترار الذكريات والشعور بالقلق واليأس وهذا ما يضاعف الألم. يسمح لنا التأمل أن نرى كيف يمكن لتفكيرنا أن يغادر أرض الواقع نحو الخيال أثناء تخيلاتنا. كما أنه يساعدنا على العودة إلى مواجهة المشكلات الواقعية بتجرد من أي إضافات.
وقد ثبتت صحة فوائد التأمل على التوازن العاطفي، فهي تؤدي شيئاً فشيئا إلى الشعور بعدد أقل من المشاعر السلبية وبعدد أكثر من المشاعر الايجابية. وهذا أمر مدهش فنحن لا نطلب من متعلمي التأمل أن يشعروا بإرادتهم بالمشاعر السلبية بشكل أقل أو أن يشعروا أكثر بما هو إيجابي. ولكن بمجرد أن يكون المرء حاضراً في حياته، وفي سعادته، وفي حزنه، فإن هذا الأمر يدفعه بشكل طبيعي إلى إعادة التوازن. هذا أمر مهم لأن دماغنا يميل إلى تفضيل الفعل على التأمل حتى أثناء اللحظات المحببة، فهو يميل إلى الانتقال إلى اللحظة التالية بدلا من التمتع باللحظة الآنية. كما أن دماغنا يميل إلى تفضيل ما هو سلبي، كالمشكلات التي تنتظر حلولا، على ما هو إيجابي كالأشياء الجميلة التي تنتظر منا أن نعجب ونتمتع بها.
كيف نتأمل؟

يتحدث الكتاب عن الوعي الكامل. يقوم الوعي الكامل على جعل المرء حاضرا فيما يعيشه فيكون حضوره بكامل تركيزه بعيداً عن أي ردة فعل.
في عالم التأمل يصر المعلمون على أهمية الجلسة، فوضعية الجلسة تسهل خلق الحالة التأملية. يجب ألا نستعجل خلق هذه الحالة بل يجب أن نحضر كل ما يسمح بظهورها. توجد وضعيتان للجلوس مفضلتان وهما وضعية الجسد ووضعية الروح. فيما يتعلق بوضعية الجسد يكفي أن نكون جالسين بكل بساطة ونحافظ على الظهر مستقيما والأكتاف مفرودة والأقدام مستوية والأيدي ممدودة على الأفخاذ. يمكن أن نغمض العينين كلياً أو جزئياً إلا أن بعضهم يفضل أن يتأمل مفتوح العينين.
ومن ثم هناك وضعية الروح التي تقوم على ألا ننتظر شيئاً وألا نريد شيئاً وألا نميز شيئاً، ما علينا سوى أن نكون حاضرين لاستقبال وملاحظة كل شيء.
وهذا ليس بالأمر السهل لأنه غير اعتيادي على الإطلاق! عموماً نحن نسعى لبلوغ نتيجة جهودنا ونفضل أن نستشعر الأمور المحببة وأن نقصي تلك غير المرغوبة. أثناء التأمل مع الوعي الكامل نقوم بالأمر على نحو مختلف، فنحن نستقبل ونلاحظ بهدوء كل ما يصلنا وكل ما حولنا، والجهود لا تأتي من التحكم بالحالة، بل تأتي من حضورنا أثناء التأمل.
يقول (مونتان): (عندما أرقص، فأنا أرقص حقا. عندما أنام أنام حقاً. وعندما أتنزه وحيدا في بستان جميل مملوء بالفواكه، إن شردت أفكاري إلى أماكن غريبة فترة من الزمن، أقم بإعادتها للنزهة وإلى البستان وإلى رقة هذه الوحدة وإلى نفسي).

يقول الكاتب
هناك خدعة معاصرة تستفزني وهي الدماغ المتعدد المهام. يحاول بعض بائعي الشاشات إقناعنا أن بيئتنا الجديدة المثيرة بالشاشات وبأجهزة التلفاز وبوسائل التواصل المتعددة وبغزارة الموسيقا، يحاولون إقناعنا أن دماغنا قد تطور وأصبح قادرا على القيام بعدة أمور في الوقت نفسه كالعمل أو القراءة أثناء الاستماع إلى الراديو، وكالتكلم بالهاتف أثناء قيادة السيارة… الخ
ربما سيحدث ذلك بعد عشرات الآلاف من السنوات ولكن هذا ليس صحيحا الآن، فكلما فعلنا شيئين في الوقت نفسه نكون قد قمنا بهما بشكل أسوأ ونكون من جهة أخرى قد أتعبنا أنفسنا وتعرضنا للشدة النفسية. المعادلة بسيطة: المهام المتعددة تؤدي إلى خطر الوقوع بالخطأ وخطر التعرض للشدة النفسية.
مما لا شك فيه أن هذا هو السبب الذي جعل، في كل عصر، حكماء مثل مونتان أو مثل القادة الشرقيين، يشجعون الممارسة المنتظمة لـ(لا شيء سوى): لا شيء سوى الأكل، لا شيء سوى المشي، لا شيء سوى القراءة، لا شيء سوى القيادة. وعلى عكس ما يبدو عليه الأمر فإن (لا شيء سوى) هو أمر صعب.
فنحن يجذبنا دوما أن نفعل أكثر من شيء في الوقت نفسه كالأكل أثناء القراءة أو قراءة البريد أثناء الحديث على الهاتف، أو فعل شيء أثناء التفكير بشيء آخر مثل أخذ حمام أثناء التفكير بالنهار المملوء بالعمل، أو الجلوس على طاولة الطعام مع العائلة أثناء الانشغال بالهموم. عندئذ نكون قد قمنا بكل شيء بشكل ناقص وبلا وعي كامل. نتعب أنفسنا ونرتكب أخطاء وننسى أمورا ولهذا السبب يفضل أن تمارسوا تمرين (لا شيء سوى).

نصائح
– تؤكد الدراسات العلمية حالياً أننا نشعر أفضل بكثير عندما نكرس أنفسنا كليا للنشاطات الدائمة مهما كانت هذه النشاطات من عمل أو تسلية. فالقاعدة إذا بسيطة: حضورنا كليا لما نفعله يعزز من حالتنا الجيدة، أما تصرفنا بشرود فيقلل من هذه الحالة الجيدة.
– تقوم هذه الأعمال بجمع مطالب جميع التقاليد الفلسفية والروحانية الكبيرة التي تقول: كن حاضرا بأفضل ما يمكنك في كل عمل تقوم به.
– لندع قليلا المهمات المتعددة التي تثير الشدة النفسية وترهق، ولنعتمد أكثر فلسفة (لا شيء سوى): لا شيء سوى غسل الأطباق، لا شيء سوى إخراج القمامة، لا شيء سوى العيش بتركيز، لا شيء سوى رؤية الحياة كم هي جميلة. فلنلاحظ كل ما يجري عندنا نقرر فعليا أن نكرس أنفسنا لما نفعله ولنقدر ما سيفعله ذلك بنا.
– في مواجهة ما يؤلمنا يمكننا أن نفتح مساحة تفكيرنا وأن نوسع مساحة وعينا… علينا أن نتنفس ونوسع، ونوسع، ونوسع في كل مرة ينسحب فيها الألم ينسحب، ينسحب… فلنتنفس من جديد.
– بقيامنا بالحلم في كل مساء بثلاث لحظات سعيدة مرت بيومنا، بقيامنا بتسجيلها بعمق أكبر في فكرنا وفي جسدنا، نقوم عندئذ بتقوية قدراتنا على رؤية هذه اللحظات الصغيرة من السعادة بوضوح. سندرب أنفسنا على ألا ننسى ما هو جيد في حياتنا أيضاً.
– نحن البشر مساكين لكون ذهننا يتجه فوراً وبسرعة نحو كل ما هو سيئ في يومنا أو في اليوم الماضي أو في اليوم التالي، سواء أكان أمرا قد حصل أم سيحصل. لذلك علينا جميعاً أن نستذكر اللحظات السعيدة التي مرت بنا فهناك الكثير منها لم نفكر به بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن