ثقافة وفن

السيد وزير الثقافة مقالات آنية في كتب

إسماعيل مروة : 

السيد وزير الثقافة قبل أن يكون وزيراً هو شاعر ومحلل في الوقت ذاته، وهذا ما يمنح زاويتي هذه بعض الشرعية، لأنها تخاطب وزيراً وعارفاً وأديباً ومحللاً، فقد صدر عن وزارة الثقافة في الآونة الأخيرة كتب كثيرة، وأصمم على كلمة كثيرة قياساً إلى عدد المطبوعات، وهذه الكتب هي مقالات سياسية مجموعة وافتتاحيات لأصحاب الشأن ورؤساء التحرير، أقول بداية إنني لست ضد جمع المقالات في كتب، وأغلب كتبي هي مقالات مجموعة، والكتب المشهورة من كتاب (حديث الأربعاء) لطه حسين عميد الأدب العربي إلى كتب الزيات والرافعي والعقاد وغيرهم من أساطين الكتابة العربية، كلها عبارة عن مقالات مجموعة، لكن شيئاً ما ينتظمها هو النقد أو الإبداع أو الوجدان، بل إن دواوين الشعر هي قصائد منشورة يتم جمعها في مجموعات شعرية، وأذهب أبعد من ذلك فالكتابان اللذان غيرا وجه العالم الحديث «صراع الحضارات» و«نهاية التاريخ» لهانتنغتون وفوكوياما، هما في الأصل مقالتان منشورتان في مجلات متخصصة، وأؤكد متخصصة، وعندما استيقن المؤلفان من تأثير ما طرحاه قاما بتوسعته والتعمق به، وصدرت المقالتان في كتابين، وهذان الكتابان يتم العمل عليهما دوماً بالإضافة والحذف، حتى أصبحت المقالة نظرية في السياسة تحكم العالم أجمع كما نرى اليوم بعد انتهاء الحرب الباردة.
أما المقالة التي تمثل رأياً أو افتتاحية موجهة نشرت في ظرف آني هل تستحق أن تجمع في كتاب؟ وهل يكفي أن يذكر اسم الصحيفة والتاريخ لتشكل توثيقاً؟ وهل تصح المقالة الصحفية التي سمتها الخفة والمباشرة لعلاج أمر ما أن تكون في كتاب للتاريخ؟ وهل تيقن الكاتب أو الوزارة بأن هذا الرأي ثابت لن يتغير ليكون في كتاب؟
نشر الافتتاحيات والآراء السياسية الآنية بدعة سورية بامتياز، وإن لم تكن الوزارة سباقة إليها فقد سبق إلى ذلك اتحاد الكتاب العرب بجمع افتتاحيات رئيس الاتحاد في كتب تحمل عناوين طنانة، وهذا الأمر منذ زمن رئيس الاتحاد السابق، والرئيس الحالي عززه وكرسه! وحين عمدت الوزارة إلى نشر افتتاحيات أحد الكتاب، تقدم الجميع سراعاً، من باب ما حدا أحسن من حدا، ونشرت الوزارة مشكورة كل هذه الكتب التي عرضت عليها، وصرنا نحار، فهذه المقالات السياسية المباشرة وغير المعمقة قرئت من قبل، إن قرئت، فلماذا توضع في كتاب، وليس فيها أي لمسة أدبية أو إبداعية؟!
ترى هل جمع محمد حسنين هيكل افتتاحياته في الأهرام؟ وهل فعل ذلك أحمد بهاء الدين وأحمد زكي في افتتاحيات العربي التي كانت تمثل قطعة أدبية نادرة على نفقة الدولة المصرية؟!
قرأت هذه الافتتاحيات والمقالات عند نشرها، وهأنذا أجدها مطبوعة في الكتب وما من شيء فيها تغير، فلم أر فعل هانتنغتون وفوكوياما في تعميق المقال والأفكار والرؤى لتتحول المقالات إلى نظرية! وإنما رأيت تبارياً لطبع الكتاب، وقد طبع لفلان فيجب أن يطبع لفلان!! طبعت الدكتورة نجاح العطار كتاب «حديث الشعر» الذي هو عبارة عن مقالات أدبية وتكريمية بعضها من العمق بمكان، وحتى مقالات التكريم والمناسبات أعمق من دراسات لآخرين، فتقاطر القراء والنقاد للقراءة والكتابة، فكم من قارئ تجاوز حدود المجاملة بحمل هذه الكتب وقراءتها؟! أزعم أن أصحابها لم يعودوا إليها حتى في مرحلة الطباعة!
ترى لو حمل أحدهم هذه المقالات إلى ناشر فهل ستطبع؟ حتى على نفقته الخاصة لن تجد من يضع عليها اسم داره، وأنت سيادة الوزير تعرف وعانيت من الناشر ورأيه! فلماذا يتم التعامل مع الوزارة بهذا الشكل الرديء الذي يستخف بكل شيء؟
أظن أنه لو عاد أحدهم إلى هذه المقالات الموجهة أو التي من بنات أفكاره وعمقها لكان أجدى، وثمة فرق بين أن تطبع المقالات النقدية والوجدانية في كتب، وأن يحدث ذلك مع الآراء السياسية، التي إن قرئت مستقبلاً فستعطي مؤشراً سلبياً عن الكاتب والكتاب في المرحلة ودور الوزارة.
عندنا فقط يبدع المسؤولون وأصحاب المواقع الرفيعة وتجود قرائحهم التي كانت جافة من قبل، ويغمرون المؤسسات الحكومية بأفضالهم لطباعتها!!
عندنا فقط يطبع وزير كل أعماله، والكادر الإداري كله من المبدعين، عندنا فقط جمع أحد الوزراء افتتاحياته لتكون عنوان كتاب قبل أن يصبح معارضة!!
السيد الوزير نتوجه بالشكر للتوثيق الذي تقوم به الوزارة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن