ثقافة وفن

موضة فنية مقتبسة من نسخ عالمية…«برامج اكتشاف المواهب» هل تحقق حلم الشباب أم تتاجر في أحلامهم؟

وائل العدس : 

تنشغل لجنة تحكيم برنامج «ذا فويس» بتصوير حلقات المراحل الأولى التي ستعرض خلال الأيام القليلة القادمة مسجلة، على أن تقام العروض المباشرة بعد ذلك بمشاركة مواهب من كل الدول العربية، علماً أن اللجنة تضم كلاً من كاظم الساهر، وعاصي الحلاني، وشيرين عبد الوهاب، وصابر الرباعي.
فرغم الأزمات السياسية والحروب الدموية الاستعمارية التي اجتاحت عدداً من البلدان العربية، إلا أن برامج اكتشاف المواهب الغنائية لم تتوقف يوماً عن البحث والتقصي.
ورغم سخونة الأحداث إلا أن تلك البرامج الفنية نجحت بتحقيق شعبية كبيرة، وعائداً مادياً عالياً، يظهر جلياً في حجم تدفق الإعلانات التي تُبث خلال العرض.
فلا يكاد ينتهي برنامج حتى يبدأ آخر، ولا يسدل الستار عن موسم حتى ينطلق موسم جديد، برامج متنوعة تهدف «شكلاً» إلى البحث عن صوت فريد، برامج نشاهدها على مدار السنة وعلى قنوات مختلفة وفي جميع بلدان العالم، أما الشباب المشاركون فيحلمون بتحقيق الشهرة والانتشار.

تساؤلات

أسماء عربية كثيرة مرت ونسيناها في حين أخرى قليلة حفرت طريقها في عالم الفن في وقت سار فيه البعض بخطوات متباطئة ومنهم من اختفى نهائياً عن الأضواء.
فهل فعلاً تحقق هذه البرامج حلم الشابات والشباب، أم هل تتم المتاجرة بأحلامهم؟ وهل الربح المالي هو الهدف الوحيد لمنتجي هذه البرامج؟ وما سر نسبة المشاهدة العالية جداً التي تحظى بها؟ هل هذه البرامج تدعم المواهب الشابة، وتتيح لهم فرصة للعبور نحو عالم الشهرة، أم إن الأمر لا يعدو سوى موضة وصيحة فنية جديدة مقتبسة من برامج عالمية؟.

تشابه
تتشابه تلك البرامج إلى حد كبير في آليات تنفيذها، حيث تعتمد على لجنة تحكيم من مشاهير نجوم الغناء في العالم العربي، وتتميز بارتفاع ميزانية إنتاجها التي تقدر بالملايين، إضافة إلى حجم الدعاية الضخم الذي ينتشر في الشوارع وعلى الشاشات.
وتبدو المنافسة شرسة بين العديد من الفضائيات لجذب المشاهدين للتصويت، في حين قيمة الجائزة التي يحصل عليها الفائز قليلة جداً.

بزنس
من الواضح أن هذه البرامج تستخدم المتسابقين كنوع من الدعاية، من خلال إبراز سلبيات فيهم على سبيل المثال، حيث يكونون مادة للسخرية من أجل تحقيق نسبة مشاهدة أعلى.
هذه البرامج مجال واسع لكسب أموال طائلة من خلال إرسال الرسائل النصية، فهو «بزنس» في المقام الأول، لهذا تضم لجان التحكيم كثيراً من نجوم الصف الأول، لأنهم يشكلون المصدر الأول لجذب الجمهور، وفي المقابل يتقاضى هؤلاء النجوم أجوراً مرتفعة تشكل لهم عائداً مربحاً في ظل ركود سوق الغناء نتيجة الظروف السياسية.

صبغة سياسية
تتقصد هذه البرامج إظهار جنسية كل مشترك، ما يكرس تحيزاً بين الشعوب العربية من خلال تشجيع الجمهور في بلد بعينه للتصويت لابن أو ابنة بلدهم، بغض النظر عن الكفاءة الصوتية.
واصطبغ هذا النوع من البرامج بصبغة سياسية في كثير من الأحيان حيث ينتمي المتسابقون لدول عربية مختلفة، فتلعب على أوتار مشاعر التعصب الوطني وتلهي الشباب عن القضايا الحقيقية لبلادهم.

شعبية كبيرة
تحظى هذه البرامج بشعبية كبيرة، فيما يعتبر هروباً من الجرعات السياسية التي تقدمها نشرات الأخبار والبرامج الحوارية مصاحبة بنبرة إحباط عالية؛ ما يدفع الجمهور إلى الالتفات نحو مواد الترفيه والتسلية.
إضافة إلى أن تلك البرامج ملأى بعوامل الإثارة والتشويق والمفاجآت التي تتراوح بين أنها طبيعية أو مفتعلة، لذلك نجد الجمهور يتابعها وهو يحبس أنفاسه، في انتظار النتيجة.. وهذه الإثارة مطلوبة ومخطط لها من قبل الشركات المنفذة لإكساب المسابقات مزيداً من الجاذبية ومن ثم ارتفاع نسبة المشاهدة.

علامات استفهام
ازدياد عدد هذه البرامج يثير العديد من علامات الاستفهام حولها وحول المواهب الجديدة التي تكتشفها، وخاصة أن وهج الأسابيع التي تعيش تحت ظلها تلك المواهب الغنائية سرعان ما يخف مع إسدال الستارة على الحلقة الأخيرة من تلك البرامج، ثم تخبو بأخبار متناثرة عن تلك الموهبة ومشاريعها الفنية الموعودة ثم تنطفئ تماماً باختفاء تام عن الساحة الفنية.
لا يجد أحد من هؤلاء من يمهد له طريق النجاح وتحقيق الذات فيقع في بطالة فنية أو قد يلجأ للغناء في الملاهي الليلية أمام عجزه عن الوصول إلى المهرجانات المهمة التي يسيطر عليها نجوم الصف الأول الذين سبقوه، وقلة فقط من هؤلاء نجحت في البقاء في دائرة الضوء بفضل كليبات سهرات والألبومات غنائية.

المعايير
يخطئ كثيرون عندما يعتقدون أن جودة الصوت هي المعيار الأساس لنجاح أي مشترك، لأن الأمر يخضع لاعتبارات كثيرة مثل المظهر، والكاريزما، والحضور على المسرح، والأهم تقبل الجمهور له الذي يتفاعل معه ويصوت له عبر ميزة الرسائل القصيرة، وخاصة أنه يظهر أسابيع عدة.

المشكلة
إن الأمر الأكثر أهمية والمثير للدهشة أن عدداً من المطربين الذين يقومون بالتحكيم لديهم عيوب ومشكلات صوتية واضحة، فكيف يمكن لمطرب «ينشز» أن يقوم بتقييم أصوات شابة ويحدد ما إذا كانت موهوبة أم لا؟.

أخيراً
لماذا لا تشكل نقابة الفنانين لجنة خبيرة تكتشف المواهب الفنية وتقدمها للجمهور بعيداً عن أضواء برامج اكتشاف المواهب وبريقها العابر لتضعهم على عتبة النجاح والمستقبل الباهر؟
وإلى متى ستظل الساحة الفنية تتخبط بالكثير من خريجي تلك البرامج دون محاولة حقيقية لجعل هؤلاء نجوماً؟.
بكل الأحوال، من الجميل أن نرى هذا الاهتمام بجيل من الشباب ومساعدتهم لتحقيق أحلامهم بما يمتلكونه من مواهب.. لكن ينبغي مساعدتهم لتحقيق أحلامهم الفكرية أولاً وتطوير مواهبهم العلمية وأفكارهم الاقتصادية لتكوين هناك مجتمع متوازن مجتمع مفكر وعالم ومتذوق للفن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن