قضايا وآراء

سورية تفرض قواعد إستراتيجية جديدة

| رفعت البدوي

شهد قطاع غزة في فلسطين عملية اختراق عسكري إسرائيلي لمنطقة خان يونس تصدت لها المقاومة الفلسطينية ما أدى إلى إحباطها وإفشالها لكنها سرعان ما تحولت إلى حرب واسعة فاجأت العدو الإسرائيلي بنتائجها الموجعة والمكلفة بيد أن الحرب الإسرائيلية على غزة كانت لافتة هذه المرة في ظل ثلاث مفارقات:
الأولى، أن مصر كانت تعمل على إنجاز صيغة دائمة بشأن فك الحصار المفروض على قطاع غزة، من خلال تسوية قطعت شوطاً بعيداً.
الثانية، أن رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو كان يشارك في باريس في احتفالات ذكرى انتهاء الحرب العالمية الأولى.
الثالثة، أن عدداً من الدول العربية كانت تجري مناورات عسكرية بمشاركة وحدات بحرية، وجوية، وأرضية من البحرين ومصر والأردن والكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في غرب مصر تحت اسم «الدرع العربي 1».
في المفارقة الأولى، يمكن تفسير العدوان على غزة أنه محاولة إسرائيلية لإسقاط المبادرة المصرية، وبالتالي إبقاء الحصار على غزّة والتوتّر على حدودها. ويبدو أن هذه المحاولة سقطت بإعلان وقف العدوان بعد أن نجح الفلسطينيون في فرض معادلة جديدة مؤلمة للعدو الإسرائيلي، وكشفت المقاومة الفلسطينية عن امتلاكها أسلحة لم تكن في الحسابات الإسرائيلية.
في المفارقة الثانية، كشف العدوان على غزة انقساماً حاداً داخل الحكومة الإسرائيلية بين بنيامين نتنياهو وبين وزير حربه. وأولى نتائج هذا الانقسام كانت استقالة أفيغدور ليبرمان، واهتزاز الحكومة الإسرائيلية على وقع نتائج العدوان الفاشل واستقالة ليبرمان الذي أراد الثأر لخسارة إسرائيل لهذه الجولة الحربية، حيث ارتد العدوان على المعتدي.
أما المفارقة الثالثة، فكانت أن إسرائيل لم تقلق من المناورات العسكرية التي كانت تجريها بعض الدول العربية التي تجهز نفسها لتكون في تحالف يخدم أميركا يسمّى «الناتو العربي»، وذلك على غرار حلف «الناتو» الأطلسي الذي بدأت أميركا تشعر بعدم جدواه بعد انتهاء الحرب الباردة، على حين أن «الناتو» العربي ستكون وظيفته تحقيق الرغبات الأميركية بشق الصف العربي والتطبيع مع العدو الإسرائيلي الذي قد ينضم لاحقاً إلى هذا التحالف ليصبح اسمه «الناتو الأوسطي»!
لكن، في المشهد الآخر غير المنظور للكثيرين، أن إسرائيل نفّذت عدوانها على غزّة في سياق التعويض عن عجز كبير تشعر به منذ أن وصلت صواريخ «إس 300» إلى سورية.
هذه النقطة تحديداً أثارتها وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخراً، حيث الاعتداءات الإسرائيلية على سوريه توقّفت منذ وصول «إس 300»، ما يعني أن معادلة جديدة فرضت على العدو الإسرائيلي، هي أكثر تقدّماً وتأثيراً وقوة من معادلة صواريخ سام التي سادت بعد حرب تشرين التحريرية. لا بل إن المعادلة الحالية تتوسّع دائرتها لتشمل أيضاً لبنان، وهو ما أربك إسرائيل كثيراً، بعد أن ضاق مسرح عدوانها شمال فلسطين المحتلة، وصارت مربكة في حركتها العسكرية، ما دفعها لتنفيذ عدوان على غزّة فسّره البعض على أنه نوع من جسّ النبض للقدرات العسكرية الفلسطينية في غزة، تمهيداً لشن عدوان على لبنان.
النتيجة، كشفت إسرائيل عسكرياً، وصارت حركتها مقيّدة بقوة التوازن المفروض من سورية، وبقوة الردع الصاروخي من لبنان، والآن صارت أيضاً مكبّلة بقوة التوازن الجديد في قطاع غزّة.
ماذا يعني ذلك؟
النتيجة الأولى لهذا الحصار المطبق على العدو، جاءت في الهزة السياسية التي أصابت حكومة نتنياهو، واحتمال تحوّل هذه الهزة إلى زلزال سياسي يطيح بالحكومة ويدفع نحو انتخابات مبكرة.
أما النتيجة الثانية فهي الإطاحة بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإطلاق «صفقة القرن». فقد أصبحت هذه الصفقة في خبر كان بعد فرض المعادلات الجديدة في المنطقة، وبعد أن أصبحت إسرائيل الطرف الأضعف فيها، ولو حاول بعض العرب فك الحصار عنها من خلال التطبيع معها. كيف يمكن إطلاق عملية سلام في هذه المرحلة، في ظل اختلال التوازن بشكل حاد لمصلحة قوى المقاومة في المنطقة، والعدو الإسرائيلي هو الطرف الضعيف الذي يفتش عن مخارج لأزماته؟
ما هو مؤكد اليوم أن المعادلة التي فرضها محور المقاومة، انطلاقاً من منظومة الصواريخ التي حصلت عليها سورية من روسيا، صارت هي حجر الزاوية الذي يبنى عليه في حسابات المنطقة وتوازناتها السياسية والعسكرية، كما أنها تحوّلت إلى دفّة القيادة التي تتحكّم بمسار أي مشروع يطرح للمنطقة. ذلك يعني أن سورية بدأت باستعادة مكانتها كلاعب إقليمي رئيس في المنطقة، خصوصاً بعد تحقيقها الانتصار على مشروع تفتيتها.
استناداً إلى ذلك، يمكن القول اليوم إن إسرائيل تعيش أزمة كبيرة وحادة، لأنها تدرك أن أي مغامرة عسكرية إسرائيلية في المنطقة ستحمل لها نتائج وخيمة، وستكون بمنزلة الانتحار.
واستناداً إلى ذلك تصبح مناورات «الدرع العربي1» أو «الدرع العربي 10» بلا معنى، لأنها لا تملك إستراتيجية واضحة وبوصلة موحدة باتجاه العدو الإسرائيلي، ولأنها تصب في خدمة المشروع الأميركي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة في المنطقة.
ولهذا، فإن أي محاولة عربية لإنقاذ العدو الإسرائيلي ستبوء حكماً بالفشل، وسترتد على كل الذين يطبّعون سراً وعلناً مع العدو.
وعليه، نستطيع القول إن زمن العربدة الإسرائيلية التي كانت تقوم على إستراتيجية المعارك بين الحروب قد انتهى.
لقد حققت سورية انتصاراً ساحقاً على المؤامرة الكونية التي تعرّضت لها. وهي اليوم تغير رسم المشهد الذي كان سائداً على مدى 7 سنوات في المنطقة.
ثمة قواعد جديدة لم يعد ممكناً لإسرائيل خرقها، وإلا دفعت الثمن غالياً. فالتجربة التي خاضتها في قطاع غزة ليست إلا نموذجاً مصغّراً جداً عن قدرة سورية ومحور المقاومة على توجيه ضربات تترك أثرها العميق ليس في المستوى العسكري فقط إنما في إمكانية إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأرض العربية إلى غير رجعة.
سورية تستعيد عافيتها بسرعة، بل إن سورية استطاعت فرض قواعد إستراتيجية جديدة تشمل هذه المرة لبنان أيضاً، ومن لا يصدق فلينتظر، ومن يرد المغامرة فليجرب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن