رياضة

إهمال القواعد وأندية متأرجحة في سلتنا الوطنية … مدربون هواة لا يفرزون منتخبات قوية

| مهند الحسني

نتفق جميعاً على أن مشهدنا السلوي على صعيد نتائج منتخباتنا الوطنية كان ضبابياً منذ سنوات طويلة، وعلى أننا بحاجة إلى إعادة بناء صياغة أسلوب عملية بناء سلتنا من نقطة الصفر، وعلى أننا بحاجة إلى مدربين نوعيين في الاستحقاقات القادمة، ونختلف مع الذين يفصلون ما بين واقع أنديتنا، وواقع منتخباتنا، لأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نفصل ما بين الواقعين، فلا يمكن أن نصل أو أن نبني منتخبات قادرة على المنافسة عربياً وقارياً في ظل أندية (مهترئة) وغير مستقرة ومفلسة، ولا يمكن أن نصل إلى الاستقرار الإداري، وهو الأهم في عملية البناء في ظل وجود أشخاص لا يرون أبعد من أنوفهم، وفي ظل حروب داخلية سواء في إدارات الأندية أم إدارة اتحاد السلة.

مصالح شخصية
لن نخترع جديداً عندما نقول إن أندية قوية ومستقرة، ودورياً قوياً ومستقراً لابد أن ينتج منتخبات وطنية قوية، والعكس صحيح، ونسأل هنا: هل واقع أنديتنا بخير؟ وهل احترافنا بخير؟ وهل عملية البناء تبدأ من القاعدة أو من القمة؟ أوليس إخفاق الأبناء سيؤدي إلى إخفاق الآباء؟ وما بالكم إذا كان الفشل هنا مزدوجاً؟ وما بالكم بالذين يفرحون عند خسارة أي منتخب، ويرونها انتصاراً لهم لأنهم على خلاف مع غيرهم من أبناء الأسرة الواحدة، أسرة اتحاد السلة؟
لقد وصلنا للأسف إلى أبشع المشاهد، إلى ذلك المشهد المقيت، وإلى تلك المقولة (الغاية تبرر الوسيلة) وغاية البعض هي ضرب الآخر، وخصوصاً أن الانتخابات بدأت تلوح بالأفق، فبانت المصلحة الشخصية في المقام الأول، أما مصلحة سلتنا فهي في آخر اهتماماتهم.

شوائب الروتين
يتفق الجميع من دون أدنى شك على أن جميع أنديتنا تعيش في دوامة ما بعدها دوامة، والجميع أيضاً يحمل في أجندته مشاريع كثيرة، ومختلفة قادرة على علاج أمراض أنديتنا والأخذ بها نحو الأمام، لكن مجمل هذه الأفكار يصطدم إما بالروتين الذي يعرقل أي مشروع، وإما بالتشريعات القانونية التي تمنع الكثير من التحرك سواء على صعيد العقود، أم الاستثمار وما شابه ذلك، وندرك أن مثل هذه الحلول واجبة، وصارت ضرورية، فلابد من التحرك نحو حلحلتها كي نتخلص من شوائب الروتين التي ما زالت تقف حائلاً أمام تقدم أنديتنا ورياضتنا، ومن التوهان بين مجمل القوانين والتشريعات المختلفة.

رؤوس الأموال
نرحب بدخول رؤوس الأموال على أجواء رياضتنا بشكل عام، إلا أننا نعترض على الطريقة التي يعملون بها في هذه الأندية، والتي تقوم عليهم وحدهم، فمن غير الطبيعي أن يتكفل رجل أو رجلان بناد يمولانه، يدفعان له حباً وتضحية، وإخلاصاً، لأنه لو ملّ هؤلاء لأفلس النادي، ولعاد كما كان قبل أن يدخله هؤلاء المتيمون بالرياضة.
نتكلم اليوم عن حلول ممكنة، لأننا مقبلون على مرحلة جديدة في سلتنا الوطنية، علينا أن نضع فيها إستراتيجية كاملة لأنديتنا، وهي مسؤولية قيادتنا الرياضية بالدرجة الأولى، على أن تكون الأندية الكبيرة صاحبة الجماهيرية، والمنعمة بالمنشآت والاستثمارات منفردة بقرارها الرياضي مئة بالمئة، على حين يدخل رجال الأعمال في المواضيع الاستثمارية من دون أن يكون لهم أي تدخل فني في العمل الرياضي، وهناك أندية أخرى تحتاج إلى شراكة رياضية تجارية خاصة تلك التي لا تملك الاستثمارات الكافية، أو هي غير مفعّلة بالشكل الصحيح، ويجب أن يكون لهذه الشراكة ضوابط نظامية ضمن أسس تضمن حق النادي، وحق رجال الأعمال على أن يبقى القرار الفني بيد أهل الاختصاص لا محالة.

على مسافة واحدة
تبدو صورة الاستثمارات في أنديتنا غير واضحة، ويشوبها الكثير لأنها لا تنصف هذا النادي أو ذاك، إضافة لعدم وجود أنظمة استثمارية مدروسة بشكل علمي يتناسب مع واقع كل الأندية، وما نراه هو عبارة عن استثمارات لا يمكن أن تلبي احتياجات أغلبية الأندية، الأمر الذي يجعلها تبحث عن مصادر مالية جديدة من هبات ومعونات، فكل ناد يستثمر كما يشاء، وكيف يريد، وما يباح لهذا النادي، هو محرم على ناد آخر، رغم أن الأنظمة الاستثمارية المعمول بها في المنظمة الرياضية واحدة، التي نصت على استثمار واستغلال الأندية لكل شبر من أرضها لتتزود بالمال اللازم الذي سيساهم في دفعها للأمام، ويطور مستوى ألعابها، لذلك لابد من إعادة النظر بموضوع استثمارات جميع الأندية بما يوفر لها الاكتفاء المادي، وبما يضمن استمرارية ألعابها التي لابد من أن تتطور لو شهدت استقراراً في جميع الجوانب.

دعم الكوادر
علينا أن نقتنع بالدرجة الأولى أن كوادرنا الوطنية هي صمام الأمان، وهي مفتاح النجاح، وأثبتت عبر السنوات الماضية سواء التي عملت في المنتخبات الوطنية، أم التي عملت في الخارج أنها ناجحة إلى حد بعيد، إنما كانت تقف أمام الحدود التي اصطنعتها الإمكانات المتاحة، مدربونا الوطنيون لديهم الخبرة الفنية القادرة على التطوير بشرط توفير أبسط مقومات العمل، وهذا يضعنا أمام مسؤولية توفير كل الدعم لكوادرنا الوطنية، لأنها تمتلك الغيرية على منتخباتنا وأنديتنا، وهذه الصفة لا يمكن أن نجدها عند المدرب الأجنبي.

قواعد ومدربون
تسعى إدارات جميع الأندية إلى صب جل اهتمامها بالفريق الأول، وتعتبره الوجه الحضاري لها، وأن إنجازاته ستسجل في سجلها، وربما استخدمتها ورقة انتخابية رابحة، في الوقت نفسه تهمل هذه الإدارات قواعد اللعبة، وتفتح باب التعاقدات مع لاعبين على أبواب الاعتزال، لأن هم هذه الأندية بات تحقيق إنجازات مسبقة الصنع ولو كانت على حساب مصلحة النادي، فلا تلقى قواعد اللعبة أي اهتمام، بل على العكس تدخل مرحلة الاندثار شيئاً فشيئاً إلى حد التلاشي والانهيار، وهناك أمثلة كثيرة في أندية قامت بحل العديد من الألعاب تحت حجج وأعذار واهية، أما بقية الأندية التي مازالت تعمل على قواعدها، فإنها ترتكب أخطاء كبيرة وجسيمة من دون أن تدري، لأنها تقوم بتكليف مدربين هواة اعتزلوا اللعب مؤخراً من دون أن يكونوا مؤهلين بدورات تدريبية عالية المستوى قيادة فرق القواعد، فيعطي هذا المدرب الهاوي أفكاراً، ومعلومات مغلوطة للاعب الناشئ والصغير، فتنمو مهاراته على أسس خاطئة، ويكتسب أبجديات اللعبة بطريقة خاطئة لا يمكن تقويمها وتصحيحها بسهولة، فيصل اللاعب إلى مرحلة الشباب والرجال وخطواته المهارية يعتريها الكثير، وهذا بفضل غياب التخطيط السليم الذي يغيب عن أجواء سلتنا منذ سنوات طويلة.

خلاصة
في نهاية حديثنا كيف يمكن لأي اتحاد مهما امتلك خبراء وخبرات فنية عظيمة، ومن مفردات ومقومات اللعبة، أن يصنع منتخباً ينافس، ونحن مازلنا نفتقد أبسط مقومات العمل الرياضي الصحيح، لكن بالمقابل هذا لا يعفي اتحاد السلة من مسؤولية إخفاقه في إعداد منتخب وطني على أسس سليمة منذ توليه لمهامه، ولو عمل منذ بداية الأزمة التي عصفت بالبلاد على تشكيل منتخب للناشئين، لكنا نجحنا في تشكيل منتخب وطني من مستوى عال يقينا شر الانتكاسات والخيبات التي باتت تلاحق سلتنا منذ سنوات.
عموماً ما حصل قد حصل ولا داعي لإبداء الندم والحسرة، وكل ما علينا فعله أن نعمل من نقطة الصفر بتضافر جميع الجهود والنيات الصادقة، ولابد حينها من أن يثمر عملنا عن نتائج إيجابية مشرقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن